قصيدة رائعة من العصر العباسي , قائلها الشاعر : إبن زريق البغدادي
ودع ابنة عمه وزوجة المستقبل والتي سيعمل من اجلها كي يتحقق له هذا الحلم
ودعها ببغداد بحي الكرخ وهو باكيا على فراقها وهي مستعطفة اياه الا يرحل فأبى وسافر الى الاندلس .
وكتب قصيدته هذه .. ثم نام عليها ومات ..
لا تعذليه فإن العذل يوجعه
قد قلت حقا ، ولكن ليس يسمعه
جاوزت في لومه حدا أضر به
من حيث قدرت أن اللوم ينفعه
فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلا
من عذله، فهو مضنى القلب موجعه
قد كان مضطلعا بالخطب يحمله
فضيقت بخطوب الدهر أضلعه
يكفيه من لوعة التشتيت أن له
من النوى كل يوم ما يروعه
ما اب من سفر إلا وأزعجه
رأي إلى سفر بالعزم يزمعه
كأنما هو في حل ومرتحل
موكل بفضاء الله يذرعه
إن الزمان أراه في الرحيل غنى
ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه
وما مجاهدة الإنسان توصله
رزقا ولا دعة الإنسان تقطعه
قد وزع الله بين الخلق رزقهمو
لم يخلق الله من خلق يضيعه
لكنهم كلفوا حرصا ، فلست ترى
مسترزقا ، وسوى الغايات تقنعه
والحرص في الرزق والأرزاق قد قسمت
بغي ، ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه
إرثا ، ويمنعه من حيث يطمعه
استودع الله في بغداد لي قمرا
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى
وأدمعي مستهلات وأدمعه
لا أكذب الله ، ثوب الصبر منخرق
عني بفرقته ، لكن أرقعه
إني أوسع عذري في جنايته
بالبين عنه ، وجرمي لا يوسعه
رزقت ملكا فلم أحسن سياسته
وكل من لا يسوس الملك يخلعه
ومن غدا لابسا ثوب النعيم بلا
شكر عليه ، فإن الله ينزعه
كم قائل لي ذقت البين ، قلت له:
الذنب ذنبي لست أدفعه
ألا أقمت فكان الرشد أجمعه
لو أنني يوم بان الرشد أتبعه
إني لأقطع أيامي وأنفدها
بحسرة منه في قلبي تقطعه
بمن إذا هجع النوام بت له
بلوعة منه ليلي، لست أهجعه
لا يطمئن لجنبي مضجع ، وكذا
لا يطمئن له مذ بنت مضجعه
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني
به ، ولا أن بي الأيام تفجعه
حتى جرى البين فيما بيننا بيد
عسراء ، تمنعني حظي وتمنعه
قد كنت من ريب دهري جازعا فرقا
فلم أوق الذي قد كنت أجزعه
بالله يا منزل العيش الذي درست
اثاره ، وعفت مذ بنت أربعه
هل الزمان معيد فيك لذتنا
أم الليالي التي أمضته ترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله
وجاد غيث على مغناك يمرعه
من عنده لي عهد لا يضيعه
كما له عهد صدق لا أضيعه
ومن يصدع قلبي ذكره ، وإذا
جرى على قلبه ذكري يصدعه
لأصبرن لدهر لا يمتعني
به ، ولا بي في حال يمتعه
علما بأن اصطباري معقب فرجا
فأضيق الأمر إن فكرت أوسعه
عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا
جسمي ، ستجمعني يوما وتجمعه
وإن تغل أحدا منا منيته
فما الذي بقضاء الله يصنعه
ابن زريق البغدادي
420 ه / 1029 م
أبو الحسن علي (أبو عبد الله) بن زريق الكاتب البغدادي
انتقل إلى الأندلس وقيل إنه توفي فيها
وقد عرف ابن زريق بقصيدته المشهورة
قمر في بغداد ( لا تعذليه فإن العذل يوجعه )
و تأخذ هذه القصيدة في التاريخ الأدبي أسماء ثلاثة
عينية ابن زريق .. وفراقية ابن زريق .. ويتيمة ابن زريق !!
ولكل تسمية سبب:
فهي العينية
لأن قافيتها هي العين المضمومة.. وإن انتهت بهاء مضمومة
وكان من عادة العرب إطلاق اسم القافية علي القصيدة
فيقولون «لامية العرب» للشنفري .. و«سينية البحتري»
و«بائية أبي تمام» .. و«ميمية» البوصيري
وهي القصيدة الفراقية
لأن موضوعها «الفراق» ..
وهي القصيدة اليتيمة
لأن ناظمها لم ينظم في حياته غيرها كما يقولون
والشاعر كان له (ابنة عم) أحبها حبا عميقا صادقا
ولكن أصابته الفاقة وضيق العيش
فأراد أن يغادر بغداد إلي الأندلس طلبا للغني
وذلك بمدح أمرائها وعظمائها ..
ولكن صاحبته تشبثت به .. ودعته إلي البقاء حبا له وخوفا عليه من الأخطار
فلم ينصت لها .. ونفذ ما عزم عليه
وقصد الأمير أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس
ومدحه بقصيدة بليغة جدا.. فأعطاه عطاء قليلا ...
فقال ابن زريق والحزن يحرقه :
(( إنا لله وإنا إليه راجعون .. سلكت القفار والبحار إلي هذا الرجل
فأعطاني هذا العطاء القليل )) ؟؟!
ثم تذكر ما اقترفه في حق بنت عمه من تركها
وما تحمله من مشاق ومتاعب مع لزوم الفقر..
وضيق ذات اليد .. فاعتل غما ومات
تحياتي لكم
اخوكم الشاعر / محتاج لها
تعليق