[أعلن أسلامه عن قناعة تامة، و دخل بوابة السعادة من أوسع أبوابها، كان يدين لله تعالى، ومن ثم لأصدقائه المسلمين، كانوا قد التحقوا معه في نفس الجامعة، وتوطدت بينهم عرى المحبة والصداقة، هو في بلده الأوروبي، وهم غرباء، ولكن الرابط الأقوى موجود بينهم، متأصل في نفوسهم، رابط الدين جمعهم، وعمق صلتهم، وأصبح فردا منهم.
كان في السنة النهائية، ينتظر التخرج بشوق ولهفة، هاجس الوظيفة يطارده أينما ذهب، ورفاقه يكيلون عليه بكتمان أسلامه عند طلب الو ضيفة، ففي هذا المكان تشتد العداوة للدين الإسلامي يومئ برأسه دائما علامة قبول أرائهم، ولكنه في قرارة نفسه يجد في هذه الاراء انهزامية مريرة، فكيف به يعتز بدينه ويضطر أن يخفيه؟
مرت الأيام سريعا، وها هو يحمل شهادته بين يديه، حلمه أصبح واقعا يعيشه الان، تذكر نصائح الرفاق، الإسلام سري عند طلب الو ضيفة، فالوظيفة المناسبة لن يحظى بها مادام مسلما، فالأفضلية بطبيعة الحال ستكون لغيره، اقتنع بهذا الكلام، فصار يجوب الطرقات باحثا عن وظيفة مناسبة، فرص العمل قليلة، ولم يسأله احد عن ديانته.
في بداية الأمر كان قد حدد نوعية خاصة من الأعمال، ولكن بعد عناء البحث لأيام متتالية بدأت التنازلات الإجبارية، فالمطلوب ليس متوفرا على كل حال، و الان غير وجهة نظره،انه يريد وضيفة فحسب، يريد أن يكسب المال الحلال، ويشق طريقه في هذه الحياة، يتمنى أن يكون أسرة صغيرة مسلمة، ويعيش حياته امنا مطمئنا، فأي وظيفة محترمة ستسد حاجته، يشعر بأنه لن يدقق ليقول تخصصي ودراستي ،فالوظائف هنا شانها كشأن كثيرا من الدول،المهم شهادة جامعية، والوظيفة كثيرا ما تكون بعيدة كل البعد عن مجال الدراسة، لقد سبقه كثير من معارفه وأصدقائه للحياة العملية، وجميعهم قد اضطرتهم الظروف لقبول أي وضيفة، وهاهو يسير على منوالهم،
بعد أيام من البحث المضني جاءه احد الأصدقاء بخبر عن فندق مشهور في حي راق من المدينة، فقد تخلى أصحاب هذا الفندق عن كثير من الموظفين،ويريدون الان البديل عنهم، فرح بالفرصة وحمل أوراقه، وذهب على الفور، ودخل البهو الكبير،وأصبح يمرر يديه على جنبات المكان الفخم ويتأمل الحضور، نزلاء من مختلف الجنسيات، وعدد كبير من الموظفين والعمال، وكل منهم يعمل على قدم وساق في مجاله، أناس قادمون، واخرون مغادرون، تقدم ببطء نحو الاستقبال، طاقم ممن الموظفين في زيي موحد، لباقة في الكلام، ابتسامة عريضة، خطر على بالهم بانه نزيل جديد، رفع بملف أوراقه وقال على استحياء:بلغني إنكم بحاجة إلى موظفين جدد، أشاروا له علا مكان إدارة الفندق، وقالوا له: يتحتم عليك مقابلة المدير.
توجه إلى الأمام،طرق الباب بهدوء، سمع الإذن بالدخول،فتح الباب ودخل،ودار بينهما حديث طويل، استشف من خلاله بأنه مجرد مقابلة شخصية مغلفة، كان محاوره على درجة من اللباقة والذكاء، لم يدع شيئا إلا وسأله عنه، كان بينه وبين نفسه يتمنى عدم الخوض في مجال الدين، ولم يتعرض المدير لذلك أبدا،أدرك بان المدير لم يتوقع بأنه مسلم،واع نفسه في نفس الوقت للبوح بالحقيقة عند سؤاله،فقد أصبح مسلما، وتعاليم الإسلام تنهى عن الكذب، بعد ساعة تقريبا من الحوار شعر بنظرات الإعجاب من المدير، ولكنه في نفي الوقت عرف بأنه سيمسك بوظيفة محترمة هنا من باب التجربة فقط، فان تخطى الوصيفة بنجاح فالوظيفة له، وان لم يكن مناسبا لهذا المكان فالطرد من نصيبه.
هب المدير واقفا، فوقف أيضا معتقدا بان المقابلة قد انتهت،ابتسم المدير وقال له:سنحتفل بك قبل استلام الوظيفة،ولا تنس بأنك محل تجربة فقط،ولن نضعك رسميا قبل إن تثبت جدارتك.
أومئ برأسه علامة الرضا والقبول، وأشار له المدير بان يتبعه،اعتقد بأنه سيعرفه على طبيعة عمله أولا، ولكن المدير ابتسم وقال له: سأحتفل بتعيينك قبل إن اسلم العمل، فسار خلفه، ونظراته تسبقه لتصيد عينه المطعم الذي دعي إليه، وجده لكن المدير استمر في سيره وهو معه صامت ووجد مطعما أخر وتكرر تجاهل المدير لذلك، وفي نهاية الممر كان هناك سلما ضيقا متجها إلى الأسفل توقف المدير يدعوه إلى النزول قبله، حانت منه التفات سريعة إلى جانب السلم، وكتب عليها عبارة توحي بما يحدث في هذا المكان ،انه مكان خاص بالشرب المحرم.
تردد قليلا، ثم اقبل من الأسفل بعض الرجال في حالة سيئة تثير الاشمئزاز، تظاهر بأنه يفسح لهم الطريق، وعقله يعمل بسرعة كبيرة، أيقبل الدعوة إمعانا في إخفاء هويته الدينية،أم يعلنها صريحة ليرضي الله ورسوله عز وجل، وليخسر وضيفته التي لم يستلمها بعد؟ أن حيرته كبيرة؛ والرائحة الكبيرة تزكم انفه، ومديره يمد له يده مشيرا له بالنزول يهز رأسه مندهشا من وقوفه الذي طال،عاد إلى واقعه فجأة على صوت المدير: ماذا حدث؟ أتشعر بشيء؟ أترفض دعوتي؟ مع كلمات المدير قرر أن يضع أمره بين يدي الله ويتوكل عليه، اسلم حديثا وعن اقتناع، فليصرح بإسلامه وليكن ما يكن، شعر بدفعة قوية، توجهه إلى مديره مبتسما،وجرعة كبيرة من الثقة تدعم أعماقه وقال بكل جرأة: اعتذر بشدة، فانا مسلم، والإسلام يحرم شرب الخمر.
اقترب مديره منه وق تغيرت ملامحه فجأة، ولكنه لم يضعف ولم يتردد،فقد ثبت على موقفه،ولم يكن مهتما لما سوف يحدث،ازداد اقتراب مديره منه،وابتسم له مجددا،ومد يده مصافحا، وقال:
يا لها من مفاجئة جميلة، أتصدق أن كومن مسلما سيحل مشكلتي مع هذا الفندق، لقد طردت الموظفين السابقين لكثرة شربهم، ومن ثم إضاعتهم لمهام وضيفتهم،أما أنت فلن يتسبب تعيينك بأي مشكلة، سأسلمك وضيفتك الان وليس على سبيل التجربة، بل سأكتب تعيينك فورا وستكون بيننا دائما.
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
أن الله بالغ أمره
قد جعل الله لكل شيء قدرا
من كتاب (صدى الأيام)
مجموعة قصص حقيقية]
كان في السنة النهائية، ينتظر التخرج بشوق ولهفة، هاجس الوظيفة يطارده أينما ذهب، ورفاقه يكيلون عليه بكتمان أسلامه عند طلب الو ضيفة، ففي هذا المكان تشتد العداوة للدين الإسلامي يومئ برأسه دائما علامة قبول أرائهم، ولكنه في قرارة نفسه يجد في هذه الاراء انهزامية مريرة، فكيف به يعتز بدينه ويضطر أن يخفيه؟
مرت الأيام سريعا، وها هو يحمل شهادته بين يديه، حلمه أصبح واقعا يعيشه الان، تذكر نصائح الرفاق، الإسلام سري عند طلب الو ضيفة، فالوظيفة المناسبة لن يحظى بها مادام مسلما، فالأفضلية بطبيعة الحال ستكون لغيره، اقتنع بهذا الكلام، فصار يجوب الطرقات باحثا عن وظيفة مناسبة، فرص العمل قليلة، ولم يسأله احد عن ديانته.
في بداية الأمر كان قد حدد نوعية خاصة من الأعمال، ولكن بعد عناء البحث لأيام متتالية بدأت التنازلات الإجبارية، فالمطلوب ليس متوفرا على كل حال، و الان غير وجهة نظره،انه يريد وضيفة فحسب، يريد أن يكسب المال الحلال، ويشق طريقه في هذه الحياة، يتمنى أن يكون أسرة صغيرة مسلمة، ويعيش حياته امنا مطمئنا، فأي وظيفة محترمة ستسد حاجته، يشعر بأنه لن يدقق ليقول تخصصي ودراستي ،فالوظائف هنا شانها كشأن كثيرا من الدول،المهم شهادة جامعية، والوظيفة كثيرا ما تكون بعيدة كل البعد عن مجال الدراسة، لقد سبقه كثير من معارفه وأصدقائه للحياة العملية، وجميعهم قد اضطرتهم الظروف لقبول أي وضيفة، وهاهو يسير على منوالهم،
بعد أيام من البحث المضني جاءه احد الأصدقاء بخبر عن فندق مشهور في حي راق من المدينة، فقد تخلى أصحاب هذا الفندق عن كثير من الموظفين،ويريدون الان البديل عنهم، فرح بالفرصة وحمل أوراقه، وذهب على الفور، ودخل البهو الكبير،وأصبح يمرر يديه على جنبات المكان الفخم ويتأمل الحضور، نزلاء من مختلف الجنسيات، وعدد كبير من الموظفين والعمال، وكل منهم يعمل على قدم وساق في مجاله، أناس قادمون، واخرون مغادرون، تقدم ببطء نحو الاستقبال، طاقم ممن الموظفين في زيي موحد، لباقة في الكلام، ابتسامة عريضة، خطر على بالهم بانه نزيل جديد، رفع بملف أوراقه وقال على استحياء:بلغني إنكم بحاجة إلى موظفين جدد، أشاروا له علا مكان إدارة الفندق، وقالوا له: يتحتم عليك مقابلة المدير.
توجه إلى الأمام،طرق الباب بهدوء، سمع الإذن بالدخول،فتح الباب ودخل،ودار بينهما حديث طويل، استشف من خلاله بأنه مجرد مقابلة شخصية مغلفة، كان محاوره على درجة من اللباقة والذكاء، لم يدع شيئا إلا وسأله عنه، كان بينه وبين نفسه يتمنى عدم الخوض في مجال الدين، ولم يتعرض المدير لذلك أبدا،أدرك بان المدير لم يتوقع بأنه مسلم،واع نفسه في نفس الوقت للبوح بالحقيقة عند سؤاله،فقد أصبح مسلما، وتعاليم الإسلام تنهى عن الكذب، بعد ساعة تقريبا من الحوار شعر بنظرات الإعجاب من المدير، ولكنه في نفي الوقت عرف بأنه سيمسك بوظيفة محترمة هنا من باب التجربة فقط، فان تخطى الوصيفة بنجاح فالوظيفة له، وان لم يكن مناسبا لهذا المكان فالطرد من نصيبه.
هب المدير واقفا، فوقف أيضا معتقدا بان المقابلة قد انتهت،ابتسم المدير وقال له:سنحتفل بك قبل استلام الوظيفة،ولا تنس بأنك محل تجربة فقط،ولن نضعك رسميا قبل إن تثبت جدارتك.
أومئ برأسه علامة الرضا والقبول، وأشار له المدير بان يتبعه،اعتقد بأنه سيعرفه على طبيعة عمله أولا، ولكن المدير ابتسم وقال له: سأحتفل بتعيينك قبل إن اسلم العمل، فسار خلفه، ونظراته تسبقه لتصيد عينه المطعم الذي دعي إليه، وجده لكن المدير استمر في سيره وهو معه صامت ووجد مطعما أخر وتكرر تجاهل المدير لذلك، وفي نهاية الممر كان هناك سلما ضيقا متجها إلى الأسفل توقف المدير يدعوه إلى النزول قبله، حانت منه التفات سريعة إلى جانب السلم، وكتب عليها عبارة توحي بما يحدث في هذا المكان ،انه مكان خاص بالشرب المحرم.
تردد قليلا، ثم اقبل من الأسفل بعض الرجال في حالة سيئة تثير الاشمئزاز، تظاهر بأنه يفسح لهم الطريق، وعقله يعمل بسرعة كبيرة، أيقبل الدعوة إمعانا في إخفاء هويته الدينية،أم يعلنها صريحة ليرضي الله ورسوله عز وجل، وليخسر وضيفته التي لم يستلمها بعد؟ أن حيرته كبيرة؛ والرائحة الكبيرة تزكم انفه، ومديره يمد له يده مشيرا له بالنزول يهز رأسه مندهشا من وقوفه الذي طال،عاد إلى واقعه فجأة على صوت المدير: ماذا حدث؟ أتشعر بشيء؟ أترفض دعوتي؟ مع كلمات المدير قرر أن يضع أمره بين يدي الله ويتوكل عليه، اسلم حديثا وعن اقتناع، فليصرح بإسلامه وليكن ما يكن، شعر بدفعة قوية، توجهه إلى مديره مبتسما،وجرعة كبيرة من الثقة تدعم أعماقه وقال بكل جرأة: اعتذر بشدة، فانا مسلم، والإسلام يحرم شرب الخمر.
اقترب مديره منه وق تغيرت ملامحه فجأة، ولكنه لم يضعف ولم يتردد،فقد ثبت على موقفه،ولم يكن مهتما لما سوف يحدث،ازداد اقتراب مديره منه،وابتسم له مجددا،ومد يده مصافحا، وقال:
يا لها من مفاجئة جميلة، أتصدق أن كومن مسلما سيحل مشكلتي مع هذا الفندق، لقد طردت الموظفين السابقين لكثرة شربهم، ومن ثم إضاعتهم لمهام وضيفتهم،أما أنت فلن يتسبب تعيينك بأي مشكلة، سأسلمك وضيفتك الان وليس على سبيل التجربة، بل سأكتب تعيينك فورا وستكون بيننا دائما.
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
أن الله بالغ أمره
قد جعل الله لكل شيء قدرا
من كتاب (صدى الأيام)
مجموعة قصص حقيقية]
تعليق