( 19 ) السفر المفاجئ لزيارة القبور !!
مرت ثلاث ساعات على نومي في الأرض .. تحركت قليلاً .. المتني أضلعي .. تنفّست الصعداء بعد أن صافح وجهي نسيم الليل المنعش النديّ .. وصافحتني معه الكثير من الأفكار .. نظرت إلى ساعة يدي بصعوبة .. بسبب الظلام .. إنها الثالثة ليلاً .. ولكن .. ما مصدر هذا الهواء المنعش ؟ ..
التفت إلى النافذة .. وإذا بالزوج قد فتحها على مصراعيها وأخرج رأسه ونصف جسده منها !! يتأمل .. يتنشق الهواء الندي .. اعتدلتُ جالسة .. شعرت بألم في وجهي وكتفي .. تذكرت ما حدث بسرعة .. لم ينتبه ليقظتي .. انتقلت نظراتي إلى حقيبة سفر كبيرة وضعت على الأريكة !! .. هل هذه الحقيبة لي ؟ .. أوه كم أتمنى ذلك .. لم أتحدث .. أغلق النافذة والتفت نحوي .. ثم ابتعد بنظره ولم يتحدث هو أيضاً .. شعرت به يأخذ نفساً عميقاً .. توقفت أنفاسي وأنا أسأله بصوت خافت خائف :
هل أنت .. جائع ؟! هل .. هل أحضر لك طعاماً ؟
نظر إلي مطوّلاً .. وكأنما ينقّب في وجهي عن مكان لم تطله ضرباته .. فلم يجد !! ..
أخفض نظره إلى الحقيبة .. ولم بتحدث .. قام ووضعها على طرف السرير وفتحها .. إنها لا تزال جديدة .. أشعل الضوء ..
قلت بحذر ..
أما .. أما زلت غاضباً ؟!
أيضاً لم يتحدث .. فتح خزانة الملابس ووقف أمامها طويلاً .. فقلت بهدوء :
أنا اسفة .. ولكن الأمر كان لا يحتمل أن تضربني ضرباً مبرحاً .. لقد المتني كثيراً ..
كنت أرتعد عندما تراجع إلى الخلف ونظر إلى غمام وجهي الممتقع الجريح وقد سترته الظلال .. سكت .. لا فائدة ..
قال بدون أن ينظر إلي :
هل المتك ؟ كان ضرباً عنيفاً .. ولكن أرجو ألا تثيري حفيظتي مرة أخرى حتى لا أكرره فيما بعد !!
تشنج وجهي استعداداً للبكاء .. ولكني لم أفعل .. قلت بكبرياء :
شكراً لك .. وأتوقع منك المزيد .. هل أنت جائع ؟!
لا أريد طعاماً .. أريد منك أن تجهّزي ملابسي وتضعيها في الحقيبة .. سأسافر ..
ماذا ؟! .. ستسافر ؟! .. وأنا !! .. ماذا سأفعل ؟!
جلس على الأريكة ببطء وقال ببساطة :
أنتِ ؟ ستبقين هنا لحين عودتي بالطبع ! .. لن أتأخر .. بضعة أيام فقط وأعود ..
قاطعته برجاء ..
اصطحبني معك .. أريد رؤية أهلي .. أرجوك .. لا أريد البقاء هنا .. وحدي ..
قال وهو يضع ساقه على الأخرى ..
هل جننتِ ؟! .. أنا أذهب بك إلى أهلك ؟! .. قلت لكِ مراراً لن ترحلي من بيتي أبداً .. ستبقين معي إلى الأبد .. ثم .. من قال أني ذاهب إلى أهلك ؟! أنا ذاهب إلى مكان اخر ..
ترددت برهة .. ثم قلت بمكر وأنا أشعر بألم في عضلات وجهي المكلوم :
حسناً .. ما رأيك في أن أذهب لزيارة أهلي خلال الأيام التي ستسافر فيها .. ثم .. أعود .. ما رأيك ؟! أنا مشتاقة إليهم كثيراً .. هاه ما رأيك أرجوك وعندما …..
ابتسم لهذه الفكرة .. ثم قال :
لا .. لا .. لا .. لا تفكّري في هذا الأمر مطلقاً .. لت تذهبي .. لأنك لن تعودي إلي .. أليس كذلك !!
إني أفهم ما ترمين إليه .. ولكن لن يحدث هذا أبداً أبداً أبداً ..
انعقد لساني .. لا فائدة .. إنه داهية .. أجبت بهدوء واتزان مصطنعين :
حسناً .. لك ذلك .. لن أسافر .. سأبقى هنا .. في انتظارك !!!!!!! ولكن إلى أين ستسافر ؟
وقف …….. وذهب لينظر إلى نفسه في المراة ثم قال :
سأذهب لزيارة قبور الأولياء الصالحين وسأصطحب أمي معي .. لقد أخذت معي شاة حتى أذبحها بجوار القبر .. وسنقيم عنده يوماً أو بعض يوم .. وبعد ذلك سأنقل بعض اللحم إلى الأصدقاء والأقارب .. و .. إليك بالطبع .. هدية .. فهل تذهبين معنا ؟!!
صرختُ بسرعة : لا .. لا ..
ثم أطبقت شفتيّ !! .. إن شعر بأني لا أريد الذهاب فسيرغمني .. نظر إلي بتوجس .. فأسرعت باصطناع ابتسامة باهتة وحاولت تغيير الموضوع .. فقال :
ولم لا ؟! .. لم لا تريدين الذهاب ؟!!!
وجدت صعوبة في الرد من شدة الارتباك الذي سيطر علي .. قلت وأنا أجلس وأبتسم :
لا مانع لدي من السفر مطلقاً .. سأذهب .. ولكن .. الطريق شاقة .. وأنا لا أحتملها .. وبالذات عندما يكون السفر بالسيارة .. لأنه .. لأنه ..
قاطعني بهدوء : لالالا .. يجب أن تذهبي معنا .. يجب أن تتعلمي .. كيف غابت عني تلك الفكرة .. هذه الحقيبة تكفي لشخصين .. قلت بلفهة :
حسناً حسناً .. لا بأس .. ولكن ستكون رحلتكم متعبة .. لأنني .. لأنني سأجعلكم تبطئون في السير .. فكما قلت لك .. لا أحتمل السفر براً .. ثم .. رفع يده وقال :
أوه .. لالا .. إذاً لنترك سفرك معي لوقت اخر .. نحن عجلون هذه المرة .. فقط جهّزي ملابسي أنا ..
رفعت نظري إلى السماء .. تنفست الصعداء .. الحمد لله .. أبديت اهتماماً بالغاً بسفره دون أن أعارضه .. قلت باهتمام وأنا أرتب الحقيبة :
وما القصد من هذه الرحلة ؟
أجاب بحماس بكبير :
ليس لها قصد سوى التقرب إلى الله بزيارة قبور الصالحين والدعاء عندها والتبّرك بها والتوسل إلى الله بهم .. إن من عاداتنا الذهاب إلى هذه القبور إذا أصيب أحدنا بجنون أو مرض شديد .. أو ..
كتمت أنفاسي فجأة .. وغمرتني موجة ضيق مما أسمع ولكني صبرت .. أن أسمع أهون من أن أفعل .. سألته وأنا أغلق حقيبته بعد أن انتهيت منها :
وهل يبرأ المريض من مرضه أو المجنون من جنونه بسبب هذه الزيارة ؟!!!!!
أجل .. أجل .. يبرأون .. ويهتدون .. ويتماثلون للشفاء .. سوف أدعو لكِ معي .. وأرجو أن يهديك الله !!!!!
تسمّرتُ في مكاني .. اللهم لا تجب دعوته ..
قطعت حديثه فجأة وقلت باستغراب :
وهل ستذهب أمك معك أيضاً ؟ .. أعني .. هل .. هل ستزور القبور ؟!!
لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال .. فقال بصوت حاد :
نعم ستذهب معي .. وستزور قبور الأولياء وتتبرّك بها .. فهل هناك ما تعارضينه ؟
أطرقت بعيني أرضاً .. وأخذت أعبث بالسجادة بأصابعي .. ثم قلت :
لا .. ولكن .. لا يجوز للنساء زيارة القبور .. فقد نهى عنها النبي صلى ……………
قاطعني بصوت كالفحيح وقد تألقت عيناه بوهج مخيف :
لا شأن لك مطلقاً .. يبدو أن تأديب اليوم لم يُجدِ معك .. فهل أحاول تطبيقه مرة أخرى ؟!!!!!
نهضت من مكاني مرتبكة .. ابتعدت عنه سريعاً ولم أعلم ما الذي أستطيع أن أفعله .. فضّلت تركه وشأنه ! .. طُرق الباب طرقاً خفيفاً .. توجهتُ لفتحه .. فإذا بوالدته قد استعدّت للذهاب ..
تفضّلي يا خالتي ..
أين زوجك ؟ .. اه ابني .. هيا أنا جاهزة .. فلنذهب الان ..
نظر إلى ساعته .. وابتسم لوالدته .. حمل حقيبته واتجه نحو الباب .. خرجت أمه قبله .. عاد بعد ثوان وقال : لقد أنقذتك أمي من قبضتي فاحمدي الله ..
اقتربت من الباب .. وأغلقته بهدوء .. نظرت إلى المراة بحزن .. كان الضوء يظهر الهالات السوداء والشاحبة التي أحاطت بعيني !!
يتبع
مرت ثلاث ساعات على نومي في الأرض .. تحركت قليلاً .. المتني أضلعي .. تنفّست الصعداء بعد أن صافح وجهي نسيم الليل المنعش النديّ .. وصافحتني معه الكثير من الأفكار .. نظرت إلى ساعة يدي بصعوبة .. بسبب الظلام .. إنها الثالثة ليلاً .. ولكن .. ما مصدر هذا الهواء المنعش ؟ ..
التفت إلى النافذة .. وإذا بالزوج قد فتحها على مصراعيها وأخرج رأسه ونصف جسده منها !! يتأمل .. يتنشق الهواء الندي .. اعتدلتُ جالسة .. شعرت بألم في وجهي وكتفي .. تذكرت ما حدث بسرعة .. لم ينتبه ليقظتي .. انتقلت نظراتي إلى حقيبة سفر كبيرة وضعت على الأريكة !! .. هل هذه الحقيبة لي ؟ .. أوه كم أتمنى ذلك .. لم أتحدث .. أغلق النافذة والتفت نحوي .. ثم ابتعد بنظره ولم يتحدث هو أيضاً .. شعرت به يأخذ نفساً عميقاً .. توقفت أنفاسي وأنا أسأله بصوت خافت خائف :
هل أنت .. جائع ؟! هل .. هل أحضر لك طعاماً ؟
نظر إلي مطوّلاً .. وكأنما ينقّب في وجهي عن مكان لم تطله ضرباته .. فلم يجد !! ..
أخفض نظره إلى الحقيبة .. ولم بتحدث .. قام ووضعها على طرف السرير وفتحها .. إنها لا تزال جديدة .. أشعل الضوء ..
قلت بحذر ..
أما .. أما زلت غاضباً ؟!
أيضاً لم يتحدث .. فتح خزانة الملابس ووقف أمامها طويلاً .. فقلت بهدوء :
أنا اسفة .. ولكن الأمر كان لا يحتمل أن تضربني ضرباً مبرحاً .. لقد المتني كثيراً ..
كنت أرتعد عندما تراجع إلى الخلف ونظر إلى غمام وجهي الممتقع الجريح وقد سترته الظلال .. سكت .. لا فائدة ..
قال بدون أن ينظر إلي :
هل المتك ؟ كان ضرباً عنيفاً .. ولكن أرجو ألا تثيري حفيظتي مرة أخرى حتى لا أكرره فيما بعد !!
تشنج وجهي استعداداً للبكاء .. ولكني لم أفعل .. قلت بكبرياء :
شكراً لك .. وأتوقع منك المزيد .. هل أنت جائع ؟!
لا أريد طعاماً .. أريد منك أن تجهّزي ملابسي وتضعيها في الحقيبة .. سأسافر ..
ماذا ؟! .. ستسافر ؟! .. وأنا !! .. ماذا سأفعل ؟!
جلس على الأريكة ببطء وقال ببساطة :
أنتِ ؟ ستبقين هنا لحين عودتي بالطبع ! .. لن أتأخر .. بضعة أيام فقط وأعود ..
قاطعته برجاء ..
اصطحبني معك .. أريد رؤية أهلي .. أرجوك .. لا أريد البقاء هنا .. وحدي ..
قال وهو يضع ساقه على الأخرى ..
هل جننتِ ؟! .. أنا أذهب بك إلى أهلك ؟! .. قلت لكِ مراراً لن ترحلي من بيتي أبداً .. ستبقين معي إلى الأبد .. ثم .. من قال أني ذاهب إلى أهلك ؟! أنا ذاهب إلى مكان اخر ..
ترددت برهة .. ثم قلت بمكر وأنا أشعر بألم في عضلات وجهي المكلوم :
حسناً .. ما رأيك في أن أذهب لزيارة أهلي خلال الأيام التي ستسافر فيها .. ثم .. أعود .. ما رأيك ؟! أنا مشتاقة إليهم كثيراً .. هاه ما رأيك أرجوك وعندما …..
ابتسم لهذه الفكرة .. ثم قال :
لا .. لا .. لا .. لا تفكّري في هذا الأمر مطلقاً .. لت تذهبي .. لأنك لن تعودي إلي .. أليس كذلك !!
إني أفهم ما ترمين إليه .. ولكن لن يحدث هذا أبداً أبداً أبداً ..
انعقد لساني .. لا فائدة .. إنه داهية .. أجبت بهدوء واتزان مصطنعين :
حسناً .. لك ذلك .. لن أسافر .. سأبقى هنا .. في انتظارك !!!!!!! ولكن إلى أين ستسافر ؟
وقف …….. وذهب لينظر إلى نفسه في المراة ثم قال :
سأذهب لزيارة قبور الأولياء الصالحين وسأصطحب أمي معي .. لقد أخذت معي شاة حتى أذبحها بجوار القبر .. وسنقيم عنده يوماً أو بعض يوم .. وبعد ذلك سأنقل بعض اللحم إلى الأصدقاء والأقارب .. و .. إليك بالطبع .. هدية .. فهل تذهبين معنا ؟!!
صرختُ بسرعة : لا .. لا ..
ثم أطبقت شفتيّ !! .. إن شعر بأني لا أريد الذهاب فسيرغمني .. نظر إلي بتوجس .. فأسرعت باصطناع ابتسامة باهتة وحاولت تغيير الموضوع .. فقال :
ولم لا ؟! .. لم لا تريدين الذهاب ؟!!!
وجدت صعوبة في الرد من شدة الارتباك الذي سيطر علي .. قلت وأنا أجلس وأبتسم :
لا مانع لدي من السفر مطلقاً .. سأذهب .. ولكن .. الطريق شاقة .. وأنا لا أحتملها .. وبالذات عندما يكون السفر بالسيارة .. لأنه .. لأنه ..
قاطعني بهدوء : لالالا .. يجب أن تذهبي معنا .. يجب أن تتعلمي .. كيف غابت عني تلك الفكرة .. هذه الحقيبة تكفي لشخصين .. قلت بلفهة :
حسناً حسناً .. لا بأس .. ولكن ستكون رحلتكم متعبة .. لأنني .. لأنني سأجعلكم تبطئون في السير .. فكما قلت لك .. لا أحتمل السفر براً .. ثم .. رفع يده وقال :
أوه .. لالا .. إذاً لنترك سفرك معي لوقت اخر .. نحن عجلون هذه المرة .. فقط جهّزي ملابسي أنا ..
رفعت نظري إلى السماء .. تنفست الصعداء .. الحمد لله .. أبديت اهتماماً بالغاً بسفره دون أن أعارضه .. قلت باهتمام وأنا أرتب الحقيبة :
وما القصد من هذه الرحلة ؟
أجاب بحماس بكبير :
ليس لها قصد سوى التقرب إلى الله بزيارة قبور الصالحين والدعاء عندها والتبّرك بها والتوسل إلى الله بهم .. إن من عاداتنا الذهاب إلى هذه القبور إذا أصيب أحدنا بجنون أو مرض شديد .. أو ..
كتمت أنفاسي فجأة .. وغمرتني موجة ضيق مما أسمع ولكني صبرت .. أن أسمع أهون من أن أفعل .. سألته وأنا أغلق حقيبته بعد أن انتهيت منها :
وهل يبرأ المريض من مرضه أو المجنون من جنونه بسبب هذه الزيارة ؟!!!!!
أجل .. أجل .. يبرأون .. ويهتدون .. ويتماثلون للشفاء .. سوف أدعو لكِ معي .. وأرجو أن يهديك الله !!!!!
تسمّرتُ في مكاني .. اللهم لا تجب دعوته ..
قطعت حديثه فجأة وقلت باستغراب :
وهل ستذهب أمك معك أيضاً ؟ .. أعني .. هل .. هل ستزور القبور ؟!!
لم يكن يتوقع مثل هذا السؤال .. فقال بصوت حاد :
نعم ستذهب معي .. وستزور قبور الأولياء وتتبرّك بها .. فهل هناك ما تعارضينه ؟
أطرقت بعيني أرضاً .. وأخذت أعبث بالسجادة بأصابعي .. ثم قلت :
لا .. ولكن .. لا يجوز للنساء زيارة القبور .. فقد نهى عنها النبي صلى ……………
قاطعني بصوت كالفحيح وقد تألقت عيناه بوهج مخيف :
لا شأن لك مطلقاً .. يبدو أن تأديب اليوم لم يُجدِ معك .. فهل أحاول تطبيقه مرة أخرى ؟!!!!!
نهضت من مكاني مرتبكة .. ابتعدت عنه سريعاً ولم أعلم ما الذي أستطيع أن أفعله .. فضّلت تركه وشأنه ! .. طُرق الباب طرقاً خفيفاً .. توجهتُ لفتحه .. فإذا بوالدته قد استعدّت للذهاب ..
تفضّلي يا خالتي ..
أين زوجك ؟ .. اه ابني .. هيا أنا جاهزة .. فلنذهب الان ..
نظر إلى ساعته .. وابتسم لوالدته .. حمل حقيبته واتجه نحو الباب .. خرجت أمه قبله .. عاد بعد ثوان وقال : لقد أنقذتك أمي من قبضتي فاحمدي الله ..
اقتربت من الباب .. وأغلقته بهدوء .. نظرت إلى المراة بحزن .. كان الضوء يظهر الهالات السوداء والشاحبة التي أحاطت بعيني !!
يتبع
تعليق