عناصر الموضوع :
1. تعريف النصيحة
2. أثر النصيحة في المجتمع الإسلامي
3. حكم النصيحة
4. مجالات النصيحة
5. الرد على من يقول: إن النصيحة تدخل في الحريات الشخصية
6. سبب عدم قبول الناس النصيحة
7. الفرق بين النصيحة والتشهير
8. شروط الناصح
9. اختيار الوسيلة المناسبة للنصيحة
10. شروط النصيحة
11. النصيحة بين التملق والتشهير
12. النصيحة بين التدرج وعدمه
13. النصيحة بين التلميح والتصريح
14. النصيحة بين التعميم والتخصيص
15. أمور تساعد على تقبل النصيحة
16. هل يشترط في النصيحة أن تكون شفوية؟
17. اداب المنصوح وواجباته
18. الأسئلة
مقومات النصيحة الناجحة:
النصيحة: هي إحسان إلى المنصوح بصورة الرحمة له، والنصيحة قد جاءت الأدلة عليها من الكتاب والسنة، لكن هناك فرق بين النصيحة والتشهير، وبين النصيحة والغيبة، فالنصيحة لها شروط لا بد من تواجدها عند النصيحة، حتى تكون مقبولة ويكون لها أثر في نفس المنصوح.
تعريف النصيحة:
الحمد لله، أحمده سبحانه وتعالى وأثني عليه الثناء الجميل بما هو أهل له، وصلى الله وسلم وبارك على محمد عبد الله ورسوله الداعي إلى صراط الله المستقيم، الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، فأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. أيها الأخوة: موضوعنا لهذه الليلة موضوع مهم، ويكفي في التدليل على أهميته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: ( الدين النصيحة) يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين بأنه النصيحة. وهذا الموضوع -أيها الإخوة- يتكون من ثلاثة أركان: 1- الكلام على الناصح. 2- الكلام على المنصوح. 3- الكلام على النصيحة. لأن أركان هذا الموضوع ثلاثة: ناصح، ومنصوح، ونصيحة. وقبل أن نبدأ في الكلام على الأركان الثلاثة لهذا الموضوع فلا بد من مقدمة يكون فيها تعريف النصيحة وأهميتها ومجالاتها. فأقول وبالله التوفيق وأسأله سبحانه وتعالى أن يقينا الزلل ويجنبنا الباطل والوقوع فيه. أيها الإخوة: كلمة نصيحة مأخوذة من الفعل العربي نصح، قال ابن منظور في لسان العرب: نصح أي: خلص، والناصح أي: الخالص من العسل وغيره، العسل إذا كان صافياً يسمى ناصحاً أي: خالصاً، ويقال: نصحاً ونصيحة في المصدر، وتقول: نصحت فلاناً ونصحت له، تقول: نصحته ونصحت له، ونصحت له أفصح؛ لأن القران ورد بهذا، فقال عز وجل عن نبيه نوح عليه السلام: وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الأعراف:62]. ويقال: انتصح فلان أي: قبل النصيحة، وقال ابن حجر رحمه الله: النصح هو تخليص الشيء من الشوائب والغش. فكأنه شبه الناصح بأنه يخلص المنصوح من الغش، ويخلصه من الشوائب التي علقت به وبحاله، كما يخلص العسل من الشمع والشوائب، ومنه قول الله عز وجل: تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] ما هي التوبة النصوح؟ التوبة الخالصة من شوائب الرياء، والذنوب، والإصرار، وعدم الندم.. إلى اخره، فالتوبة النصوح من هذا الباب. النصح هو الخياطة، والمنصحة هي الإبرة، والمعنى: أن الإنسان يلم شعث أخيه.. يلم ما ظهر من أخيه من عيوب بالنصيحة، كما أن الإبرة تلم الثوب المهتري الذي يراد رتقه، فتأتي هذه الإبرة فتلم شعث هذا الثوب، فكذلك الناصح يلم شعث أخيه وما ظهر منه من العيوب. قال ابن الأثير رحمه الله: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة، وهي: إرادة الخير للمنصوح له، ذكرنا التعريف في اللغة وهذا هو التعريف في الشرع. وقال ابن الأثير رحمه الله: فلا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة غير كلمة النصيحة، أي: بلغ من جماع هذه الكلمة وبلاغتها أنه لا يمكن التعبير عن هذا المعنى بكلمة واحدة إلا كلمة النصيحة. وقد جاءت هذه اللفظة في القران الكريم بصيغ شتى: جاءت بصيغة الفعل، وجاءت بصيغة الاسم والمصدر، فمن ذلك أن الله ذكر هوداً عليه السلام بصيغة الوصف، فقال: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ [الأعراف:68] بصيغة الوصف، وذكر نوحاً عليه السلام بصيغة الفعل، فقال عز وجل عن نوح عليه السلام: وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الأعراف:62] أنصح فعل، والفعل يدل على تكرار الحدوث، أي: عندما تقول: أنصح، يعني: أستمر في النصيحة.. نصيحة بعد نصيحة، وإذا قارنا بين نوح وهود فمن كان أكثر نصحاً لقومه في التكرار؟ نوح؛ لأن الله قال في القران: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً [نوح:8-9] بالليل والنهار سراً وعلانية، فكان دائماً يكرر، فلذلك جاء التعبير عن دعوة نوح ونصيحته لقومه من شأن الدال على تكرار الحدوث، بينما جاء عن هود عليه السلام بالمصدر الدال على حدوثه حيناً بعد حين، وفترة بعد فترة، وهذه المسألة هي من الأهمية بمكان، فإن الله عز وجل أبلغنا أنها كانت وظيفة الرسل، فقال عن نوح عليه السلام: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:62] وظيفة نوح والرسل هي النصيحة بدليل هذه الاية. وكيف استطاع إبليس لعنه الله أن يخدع أبانا ادم وأمنا حواء عن طريق النصيحة، ما هو الدليل؟ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] قال: أنا ناصح وأريد النصيحة هذه شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] أنا ناصح، فما تبعاه إلا بعد أن قاسمهما إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] فانظر إلى عمق القضية، وكذلك كيف اقتنع فرعون ومن معه في بيته بأن تأتي أخت موسى لهم بأمه؟ لم يقتنع إلا بعدما دخلت عليه الأخت من باب النصيحة، أن هذه المرأة التي ستأتي بها ناصحة، فقالت أخت موسى لما عجزت النساء عن إرضاع موسى عليه السلام فجلس يتلوى ويبكي قالت لهم: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] فعند ذلك اقتنعوا وأتي بأم موسى فصارت ترضع ابنها وتأخذ الأجر. لقد جعل الله النصيحة حيلة العجزة، وعذر القاعدين للضرورة، ورافعة للحرج عنهم في حالة قعودهم، الناس الذين لم يستطيعوا الجهاد بسبب المرض أو الشيخوخة جعل الله عز وجل النصيحة عذراً لهم في القعود، إذا قعدوا ما عليهم حرج بشرط أن ينصحوا، قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91] ما عليهم حرج في حالة إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:91]. وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري -وهو صحابي جليل كني بابنته؛ لأنه لم يكن له غيرها- قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم . لقد عظم الرسول صلى الله عليه وسلم النصيحة فجعلها هي الدين، لماذا؟ لعظمها، قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة ) عرَّف الدين بأنه نصيحة؛ لأن النصيحة هي جل الدين، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة) هل الحج كله عرفة؟ لا. لكن لعظم عرفة في الحج وهو أعظم ركن في الحج، فقال: (الحج عرفة) كذلك هنا قال: (الدين النصيحة) فإن قلت: يا أخي، ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله الصحابة: لمن يا رسول الله النصيحة؟ قال: لله، كيف تكون النصيحة لله؟ قد يقول بعض الناس: هل يحتاج الله إلى نصح؟ كيف ينصح العبد ربه؟ فنقول: إن الله تعالى لا يحتاج إلى نصيحة، ولكن النصيحة لله كما قال العلماء: تكون بالإيمان به إيماناً كاملاً بأسمائه وصفاته من غير التعرض لها بأي نوع من أنواع التحريف أو التعطيل أو التشبيه، وطاعة أوامر الله عز وجل والانتهاء عما نهى عنه، وتعظيم حرماته.. وهكذا، هذه هي نصيحة العبد لربه. فإن قلت: وما نصيحة العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقول لك كما قال أهل العلم في شرح الحديث: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتعظيم حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم، والإحسان إلى أهل بيته وإلى ذريته، والقيام بسنته والذب عنها، وتميز صحيحها من سيقيمها، ونشر السنة بين الناس، هذه نصيحة المؤمن لرسوله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: ولكتابه؟ كيف تكون النصيحة للقران؟ النصيحة للقران هي الإيمان بأنه كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، والإيمان بمحكمه ومتشابهه، والعمل بالمحكم وتطبيقه في الواقع، وتلاوته حق التلاوة.. وهكذا، هذه هي النصيحة للقران. أما النصيحة لأئمة المسلمين: فإن كانوا أبراراً يتقون الله عز وجل فإن نصحهم بطاعتهم واتباعهم وتأييدهم، ونصرتهم والجهاد معهم، والقيام بحقوقهم وعدم شق عصا الطاعة عليهم.. وهكذا. والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم وتعليمهم وتفقيههم بأمور دينهم. فانظر رحمك الله كيف جمع هذا الحديث أمور الدين كله، والان تعلم -يا أخي- كيف كان الدين والنصيحة.
أثر النصيحة في المجتمع الإسلامي:
أثر النصيحة في المجتمع الإسلامي أثر عظيم جداً، أولاً: تسقط الواجب عن القائم بالنصيحة، فإن النصيحة واجبة، فإذا قام الإنسان بها فقد سقط الواجب عنه. ثانياً: فيها تحقيق معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء من النصيحة. ثالثاً: تنظيف المجتمع من المحرمات والمنكرات والسلبيات والموبقات، هذه كلها من نتائج النصيحة. رابعاً: القيام بحقوق الأخوة الإسلامية لا يتحقق إلا إذا قمنا بواجب النصيحة. خامساً: النصيحة تعبر عن تكامل المجتمع المسلم، فهي مظهر من مظاهر المجتمع المسلم، الان عندما نقول: إن المجتمع المسلم مجتمع عظيم، وعندما نقارن بين المجتمع المسلم والمجتمعات الأخرى، تبرز النصيحة معلماً بارزاً من معالم المجتمع الإسلامي، دلونا على أي مجتمع يطبق النصيحة؟ بالعكس تلقى المجتمعات الأخرى غير الإسلامية مجتمعات أنانية، لا أحد ينصح أحداً، ولا أحد يعلم أحداً، وإذا علم أحد مصلحة في أمرٍ كتمها وأخفاها وصار انتهازياً ينتفع هو منها ويخفيها عن الاخرين، ولا أحد يصلح خطأ الاخر ودعوى الحرية الشخصية تسير في تلك المجتمعات، ولا أحد ينكر على أحد أي شيء؛ لأن كل شخص حر في نفسه، ولهذا استشرى الفساد وعم في المجتمعات الأخرى. أما المجتمع الإسلامي فمن أهم ميزاته وعناصر تكوينه وبروزه وثباته واستمراريته: النصيحة، تصور الان لو طبقنا النصيحة تطبيقاً صحيحاً، هل يكون هناك منكر في المجتمع؟ لو طبقنا النصيحة تطبيقاً صحيحاً هل يتخلف المسلمون؟ لا يمكن، فما وقع الان من تقصير وإهمال في النصيحة أدى إلى هذا التخلف الذي عليه المسلمون. النصيحة لا تنطلق إلا بشعور بالمسئولية، أي: متى فرط المسلمون بالنصيحة؟ لما فقدوا الشعور بالمسئولية، وعندما تشعر بالمسئولية عن أفراد المجتمع، وتشعر بالمسئولية عن حقوق الله التي فرضها عليك، عندئذ تقوم وتنصح، لكن إذا لم يكن عندك شعور بالمسئولية فلن تنصح، ولذلك الناس الذين لا يشتغلون بالدعوة ولا بالنصح، مسئوليتهم وشعورهم بالمسئولية ميتان، لذلك لا يقومون بحقوق النصيحة. وانظر معي إلى هذا الحديث العظيم الصحيح عن جرير بن عبد الله قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) رواه البخاري ، وزاد مسلم في صحيحه : (على السمع والطاعة فيما استطعت، والنصح لكل مسلم) فبايع صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله ، وكان من سادات قومه، كان ملكاً متوجاً فيهم -كبيراً فيهم- جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فبايعه على السمع والطاعة، وهذا شيء عظيم جداً، والصلاة والزكاة من أركان الدين، والنصح لكل مسلم، اشترط الرسول صلى الله عليه وسلم في البيعة النصح، لأهميته، وقرنه بالسمع والطاعة، والصلاة والزكاة دلالة على عظم النصح. ولذلك كان جرير بن عبد الله قد انتصح نصحاً عظيماً من هذه البيعة، فقام بواجب النصيحة على أتم وجه، فكان يكثر النصح كما أشار شراح السير في ترجمة جرير بن عبد الله راوي هذا الحديث، أنه كان يكثر النصح جداً، ويبذل النصيحة لكل أحد، حتى في البيع والشراء، حتى قيل: إن غلامه اشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، فذهب جرير بن عبد الله إلى البائع، وقال له: إن فرسك خير من ثلاثمائة فجعل يزيده حتى بلغ به ثمانمائة درهم. ووقع في صحيح البخاري -أيضاً- وخطب جرير، وهو جزء من الحديث، فقال: (أما بعد: فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أبايعك على الإسلام؟ فشرط عليّ النصح لكل مسلم، فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم ثم استغفر الله ونزل).
حكم النصيحة:
إذا أردنا أن نعرف ما حكم النصيحة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست) وذكر منها: (وإذا استنصحك فانصحه) فانصحه: أمر، ضع صيغة الأمر التي تدل على الوجوب أصلاً، ضعها وزد عليها، كلمة (حق) في بداية الحديث: ( حق المسلم على المسلم ) والحق كما ذكر ابن حجر رحمه الله لا بد أن يؤدى، فرجح ابن حجر رحمه الله أن النصيحة واجبة؛ أولاً: لأن الأمر يقتضي الوجوب. ثانياً: لأن الكلمة في البداية كلمة حق، أي: لا بد أن تؤدى، لأنه حق: ( حق المسلم على المسلم )، وقال في دليل الفالحين : "حكمها الوجوب على قدر الحاجة إذا أمن على نفسه". وقال ابن حجر رحمه الله: هل ينصح للكافر؟ فقال: ينصح الكافر بدعوته إلى الإسلام، ويشار عليه بالصواب إذا استشار -مثلاً-: لو جاءك كافر وقال لك: أشتري سيارة كذا أو كذا؟ فيشار عليه بالصواب، لأن هذا من عموم النصيحة، وهذا من باب دعوته إلى الله عز وجل وتأليف قلبه فيما لا يترتب عليه ضرر بالمسلمين، وهذا الشرط واضح.
مجالات النصيحة:
هنا يقودنا الحديث إلى الكلام عن مجالات النصيحة، الان فهمنا من الكلام السابق أن النصيحة في الدين تعني: أن يأتي أحد ينصحك ويقول لك: يا فلان! اتق الله، هذا منكر، هذا لا يجوز، أو يا أخي! أدلك على باب من أبواب الخير: لو تطبع الكتاب الفلاني، أو مثلاً: لو تبني مسجداً في هذا المكان، لو تتصدق بكذا وكذا، أنت ميسور الحال.. وهكذا، هذه نصائح في الدين.
النصيحة في الأمور الشرعية وتعديها إلى غيرها:
هل النصائح فقط في الأمور الشرعية، أم أنها تتعدى إلى أكثر من هذا؟ الحقيقة أنها تتعدى إلى أكثر من هذا، فمن النصيحة للمسلم بالإضافة إلى ما ذُكِرَ سابقاً، نصيحة المسلم بالأخطار التي تحيط به، إذا أحسست بأن أخاك المسلم في خطر فعليك أن تنصحه فوراً، وتنبهه على هذه الأخطار المحدقة به، وكيف السبيل إلى النجاة منها؟ الدليل: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [القصص:20] أي: من اخر المدينة مع طول المسافة (يسعى) يشتد بالمشي قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:20] فالنصيحة هنا ماذا ترتب عليها؟ وماذا تطلبت من هذا المؤمن الذي كان يخفي إيمانه لما علم بالمؤامرة وبالتخطيط لقتل موسى؟ ماذا استشعر هذا المسلم الذي يخفي إيمانه من واجب النصيحة؟ أن يأتي من أقصى المدينة مع طول المسافة ويشتد ويسعى في المشي حتى يأتي إلى موسى وينبهه إلى الخطر، يقول له: انتبه احذر.. إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ [القصص:20] دله أولاً على الخطر، ثم دله على السبيل، فاخرج من هذه المدينة ولا تختبئ؛ لأنهم سوف يبحثون عنك ويمسكوك: فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ [القصص:20-21] وخرج إلى مدين..إلخ اخر القصة.. فانظر رحمك الله إلى الفقه العظيم الذي فقهه أولئك المؤمنون الأوائل من هذه القضية.
النصيحة في الأمور الدنيوية:
كذلك يدخل في مسألة النصيحة نصيحتك لأخيك المسلم في جميع الأمور الدنيوية، كأن يريد أن يشتري سيارة ويستشيرك فتشير عليه بالصواب، أو يريد أن يشتري بيتاً في أي موقع فتشير عليه بالصواب، هل هذا الثمن معقول أو غير معقول؟ تنصحه، أو أنه قال لك: أريد الزواج من فلانة بنت فلان، كيف بيت فلان؟ تنصحه، وهل أدخل في هذه الوظيفة أم لا أدخل؟ أشتري السلعة الفلانية أم لا أشتريها؟ إذاً أيها الإخوة: المسألة واسعة وكبيرة جداً، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كما في صحيح الجامع : (ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه) يقول لك شخص: والله أنا أشير عليك يا فلان أنك -مثلاً- تستثمر أموالك في المشروع الفلاني، وهو يعلم أن الرشد في غيره، وهو يعلم أن الصحيح أو الأكثر ربحاً والأنفع أن يستثمر في مجال اخر، فقد خانه، والخيانة عظيمة، والخائن يرفع له لواء يوم القيامة يقال هذا غدرة فلان بن فلان.
الرد على من يقول: إن النصيحة تدخل في الحريات الشخصية.
أيها الإخوة: تبرز شبهة، وهي أن بعض الناس يقول: إن النصيحة تدخل في الحريات الشخصية؟ فيقول لك: لماذا يا فلان تطرق بابي؟ أو لماذا توقفني -مثلاً- في المسجد، أو في الطريق أو في الوظيفة وتقول لي: يا فلان! اتق الله لا تفعل هكذا، هذا لا يجوز، هذه حياتك فيها الأمر الفلاني خطأ، وبيتك فيه الأمر الفلاني خطأ، شخصيتك فيها الخلق الفلاني خطأ، يجب أن تغيره، تصورك في القضية الفلانية ليس صحيحاً، فيأتي هذا يقول: مالك ولي؟ هذه حياتي وأنا حر فيها، وبيتي أنا حر فيه، وشخصيتي أنا حر فيها، وأخلاقي أنا حر فيها، وتصوراتي أنا أتصور ما أراه مناسباً وأنا حر في تصوراتي؟! نقول: إن الحرية الشخصية مكفولة في الإسلام، وإلا لماذا جعل القصاص في الإسلام؟ ولماذا جعل حد السرقة؟ ولماذا جعل حد القذف؟ لو قال شخص لشخص: يا زاني! وذاك بريء، يجلد ثمانين جلدة حد القذف، لماذا يجلد علىالقذف؟ لأن هذا من باب احترام وإرساء قواعد الحرية الشخصية في النظام الإسلامي، الإسلام يريد من المسلم أن يكون إنساناً حراً مكفول الحرية، لا أحد يستطيع أن يعتدي عليه، لكن هل يرضى الإسلام أن ينطلق الناس في حرياتهم الشخصية فيتجاوزون الحدود، ويقعون في المحرمات، ويعصون الله تعالى، وينتهك كل واحد حرمات الاخر، ويتلاعب كل شخص على الاخر، وتهدم البيوت بهذه المنكرات بحجة الحرية الشخصية؟ كلا! ولذلك إذا كان هناك شخص مقيم على منكر، وقال: أنا حر في نفسي، نقول له: هذه ليست حرية، وإنما هي عبودية للأهواء، أي: هذا يتبع هواه، وصار عبداً لهواه ولم يصر حراً.
سبب عدم قبول الناس النصيحة:
سؤال: لماذا لا يقبل الناس النصيحة؟ الجواب: بعضهم لا يقبلون النصيحة لهوى، وبعضهم يدعي الحرية الشخصية، وهذا كلام غير صحيح، هل هناك مانع يمنع الناس من قبول النصيحة؟ الحقيقة أن هناك أسباباً كثيرة: منها: أن الناصح لم يحسن في عرض النصيحة، فيمس كبرياء الناس ويواجههم مواجهة عنيفة بأسلوبه الحاد، فيسبب عدم قبول النصيحة، فإذاًً النصيحة تعتمد على شخصية الناصح، وعلى الأسلوب والطريقة التي ينتهجها لإيصال النصيحة. إذاً: لابد من استعراض هذه الأشياء والتركيز عليها، لماذا يرفض كثير من الناس النصيحة؟ أحياناً يُؤلف كتاب وينشر، فيقوم شخص بالرد على أشياء في هذا الكتاب، أو على أشياء في مقالة، حتى هؤلاء السيئين الذين ينشرون المقالات التي فيها خلط السم بالدسم، عندما يرد عليهم وينشر الرد، تجد عناوين الكتب رد على رد، وتقرأ فيها: بالإشارة إلى رد فلان على مقالتي، وبالإشارة على رد فلان على كتابتي أو على كتابي فإني أقول، ويبدأ بالهجوم المعاكس للعملية، فلماذا لا يقبل النصيحة؟ ذكرنا الان جانب الهوى وهو جانب كبير جداً، وسبق أن تطرقنا إلى هذا الموضوع في درسين سابقين. أفاد رجل مسن بأنه ترك الصلاة في فترة ماضية من عمره، لماذا ترك الصلاة؟ قال: لأني كنت أتوضأ مرة في مواضئ مع الناس، فدخل رجل علي وأنا أتوضأ، وقال لي أمام الناس: أنت يا جاهل! أنت لا تدري ما دينك، هذا وضوء أم إهمال، قال: ففوجئت بهذا الأسلوب، ليس فقط سأترك الوضوء الصحيح بل لا أصلي أيضاً، والحقيقة أن هذه المسألة تقع كثيراً، مثلاً: ينصح شخص اخر في الصلاة فيقول له هذا المنصوح: هل أنا أصلي من أجلك؟ ما رأيك أن أترك الصلاة، ماذا ستفعل؟ الذين يفعلون هذه الأفعال لا يقدرون الحق قدره، لأن من المفروض أولاً: أن يتخلوا عن أهوائهم ويتبعوا الحق، ثانياً: يجب أن يكون الحق عندهم أغلى من الأسلوب، قد يكون الأسلوب التي عرضت به القضية غير صحيح، لكن هنا نقول: أنت تتبع الحق أم تتأثر بالأسلوب؟ هل عندك الأغلى الأسلوب أم الحق؟ الحق أغلى، فلو كان الأسلوب خاطئاً فعليك أن تتبع الحق.
تعليق