من العبارات المنتشرة في مجتمعنا العربي عبارة : "ما يحسد المال إلا أصحابه "فهل صحيح أن الإنسان يحسد نفسه أو ماله أو ما يملك من نعم؟وإن كان معنى الحسد تمني زوال النعمة عن صاحبها والسعي في إضراره فكيف لصاحب النعمة أن يتمنى زوالها عن نفسه ويصبح عدواً لها؟!وهل قول رسولنا الكريم في الحديث الشريف الذي رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي : (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه ما يحب فليبرك-يدعو بالبركة- فإن العين حق ) يؤكد أن الإنسان قد يحسد نفسه أم أنه ينفي ذلك ؟وقد نتساءل عند قراءة لفظ ( أن العين حق ) الذي ختم به رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه الشريف، هل الحسد هو العين والمعنى واحد؟ فيحسد الإنسان نفسه أو ماله إن رأى فيهما ما يحب لأن الحسد هو العين أم أن المعنى يختلف ؟ فنقول أن العين هي إعجاب من الشخص واستحسان لما رأى من نعم دون تمني زوالها بخلاف الحسد الذي هو إعجاب بالنعم ولكن مع تمني زوالها لخبث النفس أو حقدها ، فلا يحسد الإنسان نفسه وما وهبه الله تعالى من نعم ، ولكنه ينظر إليها بإعجاب وفرح وسرور ولا يتمنى زوالها أو إضرارها ، وإن حصل الضرر فإنه لا يقع لمجرد نظرة الإعجاب بل إنه يقع لحضور الشيطان مع عدم ذكر الله تعالى والدعاء بالبركة فتصاب النفس بالعين كما في الحديث السابق : ( فليبرك) . وأشار الحديث الشريف إلى أن العين تصيب الغير أيضاً كإصابة الأخ بالعين على ما رزق من نعم، وقد تقع العين من إنسان صالح طيب النفس يحب الخير لنفسه وللآخرين إلا أنه نظرته كانت بلا دعاء فحصل الضرر من الشيطان ، وإصابة الغير بالعين لا تنحصر بالإعجاب دون الدعاء بالبركة بل من أسبابها الحقد وعداوة الآخرين أي أنها قد تقترن بالحسد أصلاً ، وكما قال ابن القيم رحمه الله : (الحاسد عدو النعم وهذا الشر هو من نفسه وطبعها ، ليس هو شيئا اكتسبه من غيرها بل هو من خبثها وشرها)ونضيف بأن الحاسد قد يحسد ما رآه وما لم يره فيكون حسده في حال حضوره وغيابه ، بينما العائن-من أصاب الغير بعينه- فلا يصيب إلا ما رأى أمامه كالذي رأى خيراً فدمره وأفسده بعينه ، وأما الحسد فقد يفسد أو يزيل النعمة نفسها أو يؤثر على صاحبها فيصيبه بالهم والغم مثلاً أو بالمرض أو غير ذلك من أضرار . والمؤمن يفرح لفرح الآخرين ويدعو لهم بالبركة على الخيرات والنعم ، ومن أصيب بضرر العين أو الحسد يثق بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله تعالى له ، ويسعى في العلاج بالرقى والتعاويذ والمحافظة على الذكر والدعاء ، ونعود فنقول أن الإنسان لا يحسد نفسه ولكنه قد يصيبها بضرر من الشيطان ، فاذكر ربك دوماً وادع بالبركة لنفسك ولغيرك وتوكل على الله تعالى في سائر أمورك ، والحمدلله رب العالمين وصل الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
تعليق