عندما ابتكر الغرب وسائل التواصل لاشك أنهم ابتكروها لتقريب المسافات و تخليص الناس من الشعور المضني بغياب الأحبة و بعدهم, و قد نجحوا في ذلك نجاحا باهرا حيث اختصرت وسائل الاتصال هذه على المتراسلين مشقة انتظار رفرفة الحمام الزاجل.
كثير من الأخبار و الأفراح و حتى الأحزان ظل يتشاركها الناس عبر هذه الوسائل و كأنهم يجلسون في مكان واحد و يتبادلون الأحاديث بشكل مباشر.
ظل الأمر جميلا و ممتعا في زمن الهواتف الأرضية التي كان يترقب الناس رنينها بفارغ الصبر ..
و استمر على هذا الحال في زمن الهواتف النقالة التي لم تكن تتيح لمستخدميها أكثر من خاصيتي الاتصال و كتابة الرسائل النصية التي لم تكن مساحتها تستوعب ما يزيد عن زبدة الكلام ..
لكن ما إن طور هؤلاء المبتكرون أشكال الهواتف و ضاعفوا مزاياها حتى اضمحلت حميمية التواصل بين الناس و صارت أقرب إلى الميكانيكية و البرود الذي تتجلى آثاره حتى في المناسبات السعيدة التي بات الناس يتبادلون فيها التهاني الجاهزة بكلمات ليست كلماتهم.
صرنا حتى في مجالسنا مع الأهل و الأحباب منقادين بشكل تلقائي إلى تقليب هواتفنا و إمعان الغرق في عوالمها الافتراضية بدل المشاركة في الأحاديث مع الأشخاص الحقيقيين الذين يجمعنا بهم المكان.
بتنا مع مرور الأيام نشهد امتدادا تدريجيا بل و على نسق متسارع للمسافات من جديد, و كأن وسائل التواصل زادت هوة المسافات اتساعا بدل أن تنفيها.
لا عجب أن مواليد الزمن الجميل إلى حدود الثمانينات و أوائل التسعينات يتحسرون دائما على الروابط المتينة التي افتقدوها في هذا الزمن.
يتحسرون على الأوقات السعيدة التي كان فيها الناس بشرا بسطاء طبيعيين تلقائيين
(بقلمي)
تعليق