الجزء 1
المكان:قاعة المحاضرات
الزمان:اول يوم من الاسبوع الثاني منذ بداية السنة الدراسية..
تدخل أسماء بهدوء الى القاعة دون ان تجلب لنفسها الانظار كعادتها..جلست في زاوية منفردة بعيدة عن البروفسور..و هي تنصت له بتركيز..كان الاسبوع الماضي حافلا بالأحداث في منزلهم.. و قد ضيعت الكثير من الدروس بسبب تلك المشاكل العائلية التي صارت سيناريو يتكرر كل مرة كل يوم يرفض ان ينتهي...والدتها لا زالت مصرة للوصول بعيدا في مشكل الميراث مع والدها ..والدها استنفذ صبره و صار يرمي كل حممه الملتهبة عليهم, بما فيها هي و أختها الصغرى البالغة خمس سنوات كوثر..
في الجهة الأخرى من القاعة, كان يجلس مجموعة من الشباب المشاغبين.. الذين تكاد لا تخلو أي دفعة من أمثالهم..طائشون يفضلون قضاء وقتهم في الكلام و اللعب أثناء الدرس.. فجأة التفت البروفيسور اليهم و نادى بالمايك:
أنت الجالس في الأخير.. تعالى هنا و اشرح ما كنت أقوله توا..
صمت في جميع القاعة و الكل يلتفت نحوهم..
-ألم تسمع ماقلته؟ يا صاحب القميص الأبيض..
نطق الذي كان يجلس وسطهم: هل تقصدني أنا سيدي؟
-نعم! أنت يا كبيرهم..أيها الثرثار و من غيرك؟!
انفجر جميع من في القاعة بالضحك و هم ينظرون اليه و يمزحون فيما بينهم..كانت أسماء تراقب الموقف ببرودة كأن الأمر عادي و أن الفتى من حقه أن يمزح مع أصحابه..فكلما اتيحت الفرصة للضحك و قضاء وقت ممتع لابد من اقتناصها..فالدنيا ان كشرت عن أنيابها و قررت انتزاع البسمة منك ,لن ترحمك مهما فعلت... رد الفتى بكل برود غير عابئ بكل ما حوله كأن ذلك لا يعنيه:
-أعتذر..لم أسمع أي كلمة مما كنت تقوله سيدي..
-أنا أعرف ذلك..و لذلك ستحمل أغراضك أنت و مجموعتك و تنقلعون من هنا..
خرج الفتى هو و أصداقه وسط صمت القاعة..و أكمل البروف درسه..
***
عند الساعة الثانية عشرتوجهت أسماء الى المطعم الجامعي, حيث أخذت حصتها و جلست أمام فتاة كانت تعلم أنها في نفس السنة الدراسية معها..
أسماء:مرحبا..المكان فارغ هنا..
-نعم تفضلي اجلسي..
بعد صمت قصير تحدثت الفتاة:
-رأيتك كنت تجلسين في آخر القاعة..لا بد أنك في حاجة الى بداية الدرس فقد جئت متأخرة..
-أجل هل يمكنك أن تعطيني اياه من فضلك؟
-بالطبع..أنا سهام.. و هو نفسه اسم بروفايلي بالفيس, ان شئت بعثته لك هناك..
-آسفة..ليس عندي حساب فيسبك..أعطيني الكراس لأكتب منه ثم أعيده لك..
-حقا ليس عندك فيس؟لماذا؟ستحتاجينه...على كل سأعطيك الكراس كما أردت..تشرفت بك أسماء..
-شكرا لكي..هذا رقم هاتفي ان احتجتني..
بعدما فرغت اسماء من تناول الطعام, ودعت سهام و اتجهت إلى بيتها,بعد مضي ربع ساعة تقريبا في تلك الحافلة قارصة البرودة، في ذلك الجو الممطر، وصلت إلى البيت و ثيابها تتقاطر بماء المطر..أمام الباب، سمعت أصواتا ليست غريبة ابدا..صراخ و عويل..فتحته بسرعة فإذا بها تتفاجأ بأمها تحمل سكينا توجهه نحو صدرها و هي تصرخ: افعلها! هيا افعلها الٱن! اقتلني بهذاالسكين!!
-الوالد :ابعدي ذاك الشيء اللعين الٱن و الا مزقت عظامك!!
-الوالدة: كلا قلها امامي و الٱن!! اعترف انك كنت تقضي لياليك مع تلك اللعينة الرخيصة!! أيها النذل الرخيص!!
-الوالد و قد قفز نحوها ممسكا بشعرها بقوة: ماذا قلتي؟ سأقتلع فكك أن اعدتي كلاما كهذا امامي مرة أخرى!!
-اسماء و هي تسرع نحو ابيها و تبكي:لاااا ارجوك بابا! توقف! دع امي..
بصق في وجه امها ثم تركها و غادر مسرعا في غضب، و قد ضرب باب البيت بقوة ارتجت لها أرجاء البيت..
بقيت امها "رجاء" ساكنة مكانها مدة من الزمن و الدموع تتوالى بحمية على خديها بجانبها اسماء و قد لفتها بذراعيها و دموعها لا تكف عن التتابع هي الأخرى واحدة تلو الأخرى بمرارة.. و ما لبثت أن وقفت الام من مكانها في صمت و توجهت إلى غرفتها و أغلقت بابها بأحكام..مسحت اسماء عبراتها بيديها الباردتين ثم نظرت الى الساعة المعلقة على الحائط..فإذا بها تشير إلى السادسة مساءا..
فقالت و قد ضربت بكفها على صدرها من الجزع:لا كوثر..امي هل اعدتم كوثر من المدرسة؟ هي لا تعرف طريق العودة!!
نهضت من مكانها مباشرة و اخذت مظلة ثم غادرت البيت بسرعة بحثا عن اختها في هذا الوقت المتأخر .. تمشي بخطوات واسعة متسارعة و هي تلتفت في كل الاتجاهات و تبحث في تقاسيم وجوه كل الاطفال امامها، مضى اكثر من نصف ساعة على خروج اختها، يكاد القلق يوقف دقات قلبها المتسارعة.. الى أن وصلت إلى مدخل المدرسة، حيث المكان كان خاليا تماما، فلمحت اختها كوثر بوجهها البريء الطفولي، لكن تلك الأجواء المتجمدة القاسية خطفت منه كل ابتسامة.. ما أن رأتها حتى اخذت تجري نحوها: اسماااء ..
- اسماء و هي تقبل كوثر و تلفها بغطاء دافئ: حبيبتي سامحيني تاخرت عليك و تركتك تنتظرين..
-كوثر بابتسامة طفولية: لا كنت اعلم انك ستاتين..
-اسماء: لنذهب بسرعة الٱن و الا حل الظلام..
وصلت البنتين الى البيت، و قد كان هادئا لا يسمع فيه صوت ذبابة.. قامت اسماء بتغيير ملابسها ثم البست اختها كوثر ثيابا أكثر دفئا فهي لا تريدها أن تصاب مرة أخرى بالزكام.. فتحت إنارة المطبخ الذي كان مليئا بالصحون المتسخة المتراكمة..أما الفرن فقد كان كما لو أنه لم يستعمل منذ زمن بعيد.. اخذت تقطع قشور البطاطا و الجزر ثم تركتها تغلي، ثم اخذت في تنظيف الاطباق و هي تغني بصوتها الدافئ الرقيق.. تناولت بعدها العشاء مع اختها، و وضعت حصة امها في طبق و توجهت إلى غرفتها، دقت باب غرفتها عدة دقات ثم فتحته، فوجدت امها مستسلمة في نوم عميق، فوضعت الطبق بجانبها وغطته، ثم طبعة قبلة على جبينها و غطتها بغطاء صوفي و أغلقت الإنارة... اخيرا اتجهت إلى غرفتها. والتعب يقطع أوصالها..انها العاشرة ليلا.. كان عليها أن تكتب ذلك الجزء من الدرس الذي أخذته من صديقتها سهام، أخرجت كتبها و أقلامها و شرعت في الكتابة..و ما هي إلا عدة دقائق حتى غطت في نوم عميق على مكتبها...
***
رن المنبه..مدت يدها ببطء لتوقف صوته المزعج ثم نهضت بهدوء من سريرها..و بعد أن نظفت غرفتها و قامت بكل الطقوس اليومية الصباحية التي تعودت القيام بها، من تحضير للفطور و إيقاظ أختها الصغرى و مساعدتها في تجهيز نفسها... اتجهت معها نحو مدرستها لايصالها، و في الواقع كانت تلك هي طريقها أيضا نحو محطة الحافلات، حيث تتجه بها إلى الجامعة...ودعت كوثر ثم صعدت الحافلة ، المكان مكتظ جدا..بالكاد استطاعت التقاط أنفاسها.. أسماء تحدث نفسها: يا الهي.. متى ستنتهي هذه المهزلة و يخصصون لنا باصا لنقل الطلبة بففف..
وقف ذلك الموزع للتذاكر عديم الوجه امامهم و هو يصرخ و يشتم: هيا تقدموا انتم الى الامام المكان فارغ من هناك!! كأني أكلم اصناما!! هيا ما بكم؟!!
كان الجميع يترقبه في غضب, منهم من رمقه بنظرات سخرية و منهم من رد له الشتيمة باحسن منها!.. نظر الموزع إلى أسماء التي بدت معزولة عن العالم الخارجي، نعم فهي لم تسمع كلمة مما قاله، بالها مشغول بأمور أخرى بعيدة عن هذه التوافه.. فقال بطريقة بعيدة كل البعد عما هو حضاري و لبق و هو يلوح بيديه: اختي هل انت صماء بكماء؟ الا تسمعين؟! اخبرتك أن تبتعدي من هنا!!!
-اسماء بغضب: ما بك تأكل نفسك؟ !! هل هذه حافلتك!! ام هذه طريقك!!
-الموزع بغضب و هو يرفع يده نحوها: ماذا؟! هلا أعدت ما قلته!!سأعيد تربيتك إن لم يكن والديك قد ربوك!!
و بدأ فوج من الركاب يسكتونه و يبعدونه و منهم من ينتقد قلة أدبه... بينما تفاجأت اسماء وسط تلك الجلبة بيد امتدت لها تجذبها.. كانت تلك سهام، و قد رأت كل ما حدث..
-سهام: اسماء ما بك؟ دعكي من هؤلاء الحمقى المجانين و كبري عقلك مع أمثالهم في المرة القادمة!!
-اسماء: لن اكبر عقلي! هل سمعتي ما قاله؟! قال إن والدي لم يربوني!! هذا البخس المتطاول!!
-سهام بصوت هادئ: اعلم..و لكن لو كان مخدرا أو يحمل معه سكينا كنت..
و لم تكمل جملتها حتى رأت اسماء تتجه بسرعة لتخرج من الحافلة..
-سهام و هي تتبعها: اسماء..انتظري الى اين؟.. نحن متأخرتان لا يمكنك الذهاب الٱن!
-اسماء: لنركب سيارة أجرة.. انا لم اعد احتمل هؤلاء!..
-سهام:.. حسن كما تريدين..
***
عند قاعة المحاضرات، جلست اسماء بجوارها سهام..
-اسماء: لم اتمكن من إنهاء كتابة الدرس..تعيريني إياه مرة أخرى لاكمله؟
-سهام و هي تأكل شوكولا المفضلة لديها: اكيد..
-اسماء: شكرا.. و بعد تلك المحاضرة الطويلة اتجهت الفتاتان مع بقية الطلاب كل يذهب إلى وجهته..
-سهام بابتسامة مرحة: هل تتناولين معي الفطور كالبارحة؟
-اسماء و هي تغطي فمها بكفها كأنها تذكرت شيئا:اه..شهادة التسجيل نسيت احضارها لاصحح الخطأ المطبعي فيها..
-سهام: لا عليك..فلنذهب للمطعم الٱن ثم نتجه إلى الإدارة فيما بعد..اصلا ستكون مغلقة الٱن..
توجهت الفتاتان الى المطعم و بعد ما ملأتا صحنيهما، جلستا معا بإحدى الطاولات .. و شرعتا في الأكل.. فجأة اذا بهما تتفاجٱن باصوات و صراخ يرتفع!! و الكل ملتفت نحو مصدر ذاك الضجيج..كان ذلك هو نفسه الفتى الذي طرد من المحاضرة السابقة..و هو ينظر شرزا الى الفتى الٱخر أمامه: اذهب الى الجحيم ! انت و مكانك اللعين هذا يا ابن****
-الفتى و هو يلوح بيده في غضب: سأريك يا *** س***** يا نصف الرجل!
ثم أخرج من جيبه قطعة حديدية حادة الطرفين ووجهها نحو رأسه.. لكن ذاك الفتى تفاداها بسهولة و بحركة خاطفة برجله و ذراعه تمكن من طرحه ارضا، الا ان الٱخر استعاد وقفته بسرعة و لكمه بقوة في وجهه فردها الٱخر في بطنه و ضربه برأسية قوية في رأسه..فتناثرت الدماء في القاعة و اخذت الفتيات في الصراخ..و اتجه ٱخرون، بما فيهم أحد الطباخين الذي ترك الصلصة تحترق ،و جرى نحوهما ..ليوقفوا عراكهما ..بينما لا يزالان يتبادلان الضربات و السب والشتائم الى أن حضر المراقب و الحارس و عاملان آخران و اصطحباهما إلى الإدارة لتسوية المشكل هناك.. و بينما هو متجه الى الخارج كأنه سجين مكبل و كل الأنظار متجهة نحوه رمق من بعيد وجه واحد بدى غائبا تماما عن كل ما يحدث بنظرة واحدة كانت كافية لتذكر كل تفاصيله..
-سهام و هي تنادي منذ مدة على اسماء : اسماء! اسماااء!
-اسماء:نعم..هل قلت شيئا؟
-سهام: هل قلت شيئا؟انا اناديك منذ الصباح كل من حولنا استداروا الا انت!!ما بك؟
- اسماء:ٱسفة ههه.. في الواقع أنها ورقة التسجيل تلك لا ادري كم سأنتظر ليصلحوا خطأها..
صمتت اسماء الا أن الأفكار في رأسها لم تتوقف عن التحرك.. ماذا لو طلب منها شهادة ولي الامر، كيف ستأتي بأبيها الى هنا...
-سهام:أسماااء.. تتركيني احدث نفسي كمجنونة!
-أسماء:ٱسفة ههه ماذا قلتي مرة أخرى؟
-سهام بتكشيرة طفولية:لن اعيد كلامي مرة أخرى!
-اسماء:ههه ما بك؟ انها مجرد كلمات مجانية لن تأخذ منك شيئا
-سهام:ماذا عن الطاقة التي ستستهلكها خلال ذلك؟
-اسماء:دعنا من فلسفتك الٱنو تكلمي..
- سهام: هل تعرفين ذاك الفتى المجنون المدعوٱدم؟.. لقد كان يراقبك منذ سقط نظره عليك..
- أسماء: ماذا؟ انا لا أعرف أحدا بهذا الاسم..فلنذهب إلى الإدارة الٱن.. لا بد انها فتحت..
***
توجهت الفتاتان إلى الإدارة هناك حيث وجدوا عدة أشخاص ينتظرون دورهم من بينهم ذلك الفتى و جماعته.. جلست اسماء بجوارها سهام يتبادلان الحديث إلى أن جاء دورهما، فاتجهت اسماء الى باب المراقب لتفتحه و للصدفة كان ذلك الفتى ٱدم ايضا يهم بفتحه فتلاقت انظارهما فقال بعفوية: تفضلي ادخلي..
-اسماء: لا عليك ادخل انت افضل أن انتظر..
-ٱدم: لا بل ادخلي انت، النساء اولا .
صمتت اسماء و هي تقول في نفسها: لن اروي امامك قصة حياتي!
و بينما اسماء في محاولة منها للتملص منه كي يدخل قبلها..سمعت إحدى العاملات داخل الغرفة تناديها باسمها:اسماء؟ تفضلي ادخلي..
دخلت اسماء بتافف تتبعها سهام و من خلفهم ٱدم الذي فضل الدخول و الانتظار واقفا طالما الغرفة صارت فارغة الا منهم..
-المراقب: نعم..اخبرتني إحدى الموظفات عن الخطأ في ورقة تسجيلك..سنحاول إصلاحه في اقرب وقت ممكن و لكن لا بد من حضور والدك..
-اكملت الموظفة بجانبه: أن لا زال والدك غائبا عن البيت فلابأس بحضور والدتك..
-اسماء: اا.. حسنا متى ٱخر مهلة؟
-المراقب: نرجو حضوره في اقرب وقت ممكن..قبل أن تتراكم أوراق أخرى ههه..
-اسماء: حسنا سأحاول..شكرا..
توجهت الفتاتان بعدها خارجا في حين لم تسمعا ٱدم الذي طرح سؤاله: والدك هرب من البيت؟
و في الرواق الجامعي, اخذت اسماء تمشي بسرعة في غضب و هي تتذمر: لم عليهم دائما أن يتدخلو فيما لا يعنيهم؟!! ذلك المزعج!!
-سهام: لا عليك يا اسماء.. أنه أمر صغير لا تحمليه اكثر من أهميته..
و بينما هما في طريقهما لحضور الدرس الثاني، اذا بيد توقف اسماء من كتفها فاستدارت، فإذا بها تجد ٱدم ينظر إليها و يقول بنبرة حادة: لقد سألتك سؤالا يا ٱنسة! لا تتجاهليني!!
-اسماء: ماذا ؟ من انت لتحدثني هكذا؟ احترم نفسك يا هذا!!
-ٱدم: انا انسان محترم!! ثم انك لم تشكريني حتى عندما سمحت لك بالمرور امامي!!
-سهام بحدة: يالك من متفلسف مزعج! ليس لدينا الوقت لامثالك..
-اسماء بسخرية: محترم..طبعا ذلك واضح..
-ٱدم بغضب: اسمعي!سمحت لك بالمرور قبلي ليس لأني رخيس او زير نساء!! مفهوم!! انا لي مبادئي التي لا أتخلى عنها ابدا!!لا داعي لأن ترمقيني بنظرتك الصفراء تلك!!
-سهام و هي تسحب اسماء من ذراعها:دعينا نذهب..يبدو أن البعض قد فقد عقله..
- اسماء: يبدو أن الكاسيات العاريات لسن وحدهن من ظهرن.. فالكاسون العارون من عقولهم قد ظهروا ايضا..
دخلت اسماء قاعة المحاضرات و جلست مع سهام كالعادة في مكان بعيد عن البروفيسور..الذي بدأ بشرح الدرس و هما في غاية التركيز، و ما هي إلا بضع دقائق حتى جلس خلفهم مجموعة شبان، كانوا يتكلمون و يمزحون فيما بينهم، لم يكن البروف ليسمعهم لكن بالنسبة للأشخاص الجالسين قربهم، خاصة اسماء و سهام، فقد شتتوا عنهم كل انتباههم.. في حين كانوا يصدرون أصواتا غريبة يتفوهون بعبارات دنيئة و احيانا يسبون بعضهم بكلام فاحش يصم الاذن.. نظرت سهام الى أسماء التي بدت متجمدة مكانها من شدة الغضب و القلم يرتعش بيدها كأنها ستمزقه اشلاءا..و في حركة خاطفة و قفت ممسكة حقيبتها و رمتها بكل قوتها في وجه ذلك الفتى الذي كان يتوسط تلك الجماعة و الذي لم يكن إلا ٱدم..
صمت حل بكل أرجاء القاعة و البروف توقف عن الشرح..
-اسماء:رخيس و دنيء!!
ثم خرجت بسرعة في غضب غير عابئة بنداءات البروف المتكررة لايقافها..فيما بقي ٱدم مذهولا و قد فتح فمه من جنون تلك الفتاة..
***
عادت بسرعة إلى البيت.. و رمت الحقيبة على السرير و استلقت بجوارها و هي تتنفس بقوة و بسرعة.. ياله من يوم ممل و مزعج! بعد بضع دقائق تلقت اتصالا من سهام تطمئن عليها..فأخبرتها انها بخير الأن.. لم يمض بعدها وقت طويل حتى ارتدت معطفها و توجهت لاحضار كوثر من المدرسة، كان عليها الوصول بسرعة فقد تلقت رسالة من معلمتها تخبرها بضرورة قدوم أحد والديها.. و طالما والديها في عالم ٱخر بعيد كل البعد عن ابنتهما و عن مشاكلها..فقد اضطرت اسماء للذهاب عوضا عنهما...
وصلت إلى المدرسة..حيث وجدت المديرة بجوارها المعلمة.. و فور أن رأتها اعتذرت و تقدمت نحو اسماء: السلام عليكم..
-اسماء: و عليكم السلام و رحمة الله..اعتذر للقدوم عوض والدي..
-المعلمة بابتسامة: لا عليكي.. انا اعلم انك اكثر شخص يهتم بكوثر و شؤونها,لذلك يسعدني قدومك..انها فتاة ذكية جدا و نشيطة,و قد نظمت المدرسة مع مدارس أخرى مسابقة كنت أرجو أن توافقوا على مشاركة كوثر فيها..
-اسماء: هذا جميل..يسعدني هذا..لكن يجب أن نرى أن كانت كوثر نفسها تريد المشاركة..
-المعلمة: في الواقع هي موافقة تماما..لكنها ستحتاج إلى الدعم و المساعدة..هل يمكنك مساعدتها ؟
-اسماء:بالطبع..هذا مؤكد.. شكرا لكي..
-المعلمة: العفو الشكر لكي..
اصطحبت اسماء كوثر إلى البيت و هي تصغي الى كل قصصها الطفولية التي ترويها لها بكل فرح.. تلك الحكايات البريئة التي تنسينا احيانا وحشة هذا العالم المظلم..
في البيت، قامت اسماء بتحضير طعام العشاء كالعادة، لم تكن امها بالبيت فهي غالبا غائبة.. أما عند بيت اهلها أو عند إحدى جاراتها..أما والدها فلم يعد منذ آخر مرة خرج فيها من البيت.. و بينما هي منهمكة في تنظيف الأرضية اذا بها تسمع صوتا غريبا قادما من الحمام..
-اسماء: كوثر؟ هل انت في الحمام؟
تقترب بهدوء الى مصدر الصوت، تفتح باب الحمام فإذا بها تتفاجأ بكوثر و هي تتقيأ..
-اسماء بقلق: مابك؟ هل انت بخير حبيبتي؟ انتظري ساساعدك..
قربت دلو الماء إليها و ساعدتها في تنظيف نفسها و المكان الذي اتسخ بسبب القيء.. ثم حملتها و توجهت بها إلى أقرب غرفة..
-اسماء: حبيبتي..كوثر..هل انت على ما يرام؟ هل بطنك يؤلمك..
كانت كوثر ترد بايماآت صغيرة برأسها و جسدها الضعيف بالكاد تحركه.. لم تستطع اسماء الانتظار دقيقة واحدة أخرى من شدة القلق..فحملتها و توجهت بها في ذلك الجو المظلم الى اقرب محطة لايصالها الى المستشفى.. كانت الحافلة فارغة تقريبا الا من رجلين اثنين بقيا يحدقان فيها طيلة الوقت، كذئبين ماكرين..في البداية تظاهرت بعدم رؤيتهما أو ربما لم تثر نظراتهما اي ريبة..لكن ما أن اقترب مكان نزولها حتى صارت يداها ترتعدان من الخوف..و هي التي لا حول لها و لا قوة، مالذي يفكران فيه؟ ماالذي يخططان له؟
توقفت الحافلة و نزلت اسماء و هي تحمل كوثر بين يديها و بخطوات متسارعة تحاول الا تلتفت للوراء و ألا تسمع شيئا خلفها.. لكنهما خلفها..و لا يزالان يتقدمان و صوت طرق أحذايتهما يقترب شيئا فشيئا الى اذنيها..إلى أن لم يعد يفصلهما إلا سنتمرات قليلة..فحاصراها واحد من الامام و الٱخر من الخلف.. و بصوته البشع و فمه المقزز من أثر التدخين و المهلوسات قال: لا تهربي عزيزتي.. لن نفعل لك شيءا..
- أضاف الٱخر: لسنا الا أشخاصا مسالمين نريد منك شيئا صغيرا و نتركك ترحلين هههههه..لكن اولا افرغي كل ما في جيبك و لا تخافي..
و قد امسكها بقوة من ذراعها حتى كادت كوثر أن تسقط ارضا، فأمسكتها بالكاد و هي تسعل بقوة..
-و اسماء تبكي و تستغيث:دعني ارجوك..انها مريضة..خذ كل شيء..فقط دعني اوصلها الى المشفى..
***
كان يمشي ببطء، يديه في جيبيه الاماميين، يصفر بلحن هادي مرح..بعد أن أنهى تدريبه الاعتيادي مع أصدقاءه في الملاكمة..الى أن وصل أسماعه صوت صرخات متتالية متقطعة يتخللها صوت ضحكات رجولي، فتوقف للحظة ثم قرر أن يرى مصدر ذاك الصوت.. في الناحية الأخرى من الطريق، اذا به يتفاجؤ برجلين ضخمين يحتالان عليها و بقوة نزع أحدهما حجاب رأسها و الطفلة الصغيرة مرمية على الارض تبكي و تصرخ.. لم يحتمل ما رأى و بلا وعي جرى نحوهما و لطم ذلك الرجل لطمة تناثرت منها دماء فمه و أنفه في الهواء فسقط أرضا.. و بينما هو يهم بضرب الٱخر إذ وجده يقبل عليه برجله فضربه ضربة مباشرة في صدره فسقط على ظهره.. لكنه سرعان ما مد يده إلى عمود حديدي كان بجواره و أمسك حجابها المرمي على الارض و رماه اليها وهو صرخ: هيا البسي هذا و اذهبي بسرعة!!
-اسماء و هي تحمل كوثر بجزع: ماذا عنك؟ ماذا س..
لم يفسح لها المجال لتنهي كلماتها و صرخ مرة أخرى: قلت لكي اذهبي!!!
-اسماء بخوف: حسنا..
اخذت كوثر و اتجهت مباشرة إلى المشفى، بينما بقي ٱدم وحده مع أولئك الاوغاد..فلقنهم درسا في المصارعة ..
في المشفى لم تنتظر كثيرا حتى جاء دورهما..دخلت اسماء و كوثر فقام الطبيب بفحصها..
الطبيب: هل تأكل بشكل جيد ام ان شهيتها تغيرت في الٱونة الأخير؟
اسماء: لا انها تٱكل جيدا..
الطبيب و هو يطبع اسمه و اسم المشفى و مكانه في ورقة الدواء: لا تقلقي انها مجرد حمى طفيفة و ستذهب أن شاء الله ..فلتحافظ على مواعيد الدواء في وقتها و باذن الله تكون بخير..
اسماء: أن شاء الله..شكرا لك..
الطبيب: العفو..احذرا انفسكما في الطريق..
خرجت اسماء و بينما هي تهم بالذهاب مع كوثر اذا بٱدم يلمحها من غرفة الانتظار فاتى بسرعة نحوها و سألها:
-ٱدم: كيف حالها هل هي بخير؟
طأطأت اسماء برأسها في خجل، فقد تذكرت كل ما وصفته به..الرخيس الدنيء و كيف ضربته بحقيبتها..فقالت:
-اسماء: شكرا لك على كل شيء..
ثم أسرعت بالذهاب اذ لم تعد تحتمل ذلك الموقف المحرج اكثر..و ما أن تجاوزته حتى امسكها من ذراعها و أعادها بهدوء أمامه و قال:
آدم :لن تذهبي وحدك في هذا الليل.. سأرافقك و سأبقى مسافة بعيدا عنك فلا تخافي..
صمتت اسماء و حركت رأسها موافقة..
فأكمل: شيء ٱخر..أين ورقة الطبيب؟ فأشارت اسماء الى ورقة الدواء و قالت:
أسماء: تقصد هذه؟
اخذها ٱدم ووضعها في جيبه و قال: لا يمكنك شراء الدواء في هذا الوقت..دعي الأمر لي..
اسماء: لا لا داعي..
ٱدم: هيا فلتسرعي لقد تأخرت..
مشت اسماء الى الحافلة و ٱدم خلفها يراقبها.. ركب الحافلة ايضا و رافقها إلى أن وصلت إلى الطريق المؤدية لبيتهم.. فبقي عند بداية الطريق يراقبها إلى أن وصلت إلى منزلهم..
دقت اسماء الباب بهدوء، ثم أخرجت المفتاح و فتحته، دخلت و قد كان السكون يخيم على أرجاء البيت..و ما هي الا ثواني قليلة حتى ظهر والدها من غرفة المعيشة و نظر إليها في غضب شديد و صرخ: أين كنتي في هذا الوقت؟!!!
-اسماء بدهشة لم تتوقع وجوده ابدا: ابي.. انا..
قاطعها و الغضب يتطاير من عينيه و صرخ : انا اتكلم معك!! و اخذت اختك ايضا ايتها اللعينة!!
فرفع يده عاليا و صفعها صفعة ارتج لها كل جسدها الصغير فسقطت أرضا..
-فأضاف: سأريك ايتها الكلبة كيف تحتالين علي انت و امك الساقطة!!
ثم شرع في ضربها برجله و ولكماته..و هي تحاول أن تقاوم ..لكن بلا فائدة جسدها الضعيف لا يتحمل كل تلك الضربات القوية المتتالية إلى أن أغمي عليها.. فتركها بلا رحمة و غادر البيت..
أما كوثر فكانت بالقرب منها تصرخ و تبكي لا تدري ما تفعل..
***
صباح ٱخر في تلك الجامعة و يوم ٱخر مع الاخوة..تقدم ٱدم و صافحهم ثم أخذ يبحث بعينيه في كل الجهات.. فقال أحدهم:
-أمين: ما بك؟كأنك فقدت**** في مكان ما..
فضحك الجميع و نظر ٱدم إليه بحدة و قال: لا بأس انا على الاقل فقدت***** هناك..أنظر لحالك فقدت ****في **** المسكينة ههههه..
-أمين: ماذا؟ ليتني فعلت ذلك هاهاهاهاها
ٱدم في نفسه: ما بها؟ لما لم تأتي؟؟
دخلوا القاعة فبحث بعينيه هناك ايضا لكنه لم يجدها..الا انه لمح شخصا ٱخر قد يدله عليها.. تقدم ببطء من سهام ثم حياها..لكن كان واضح انها ليست مستعدة لتلقي كلمة واحدة منه.. فقال:
-آدم:أين اسماء؟
- سهام: و لم تبحث عنها؟
- ٱدم: سألتك سؤالا فأجيبي.
- سهام: لا ادري..لم نتكلم منذ البارحة.. مالذي تريده منها؟
صمت ٱدم لمدة كأنه يفكر ثم قال:حسنا اعطيها هذا في اقرب وقت ممكن..
فقرب إليها كيس الدواء الذي اشتراه صباحا.. فقالت :
-سهام:لمن هذا؟ اهي مريضة؟
- ٱدم: اعطيه لها و طمئنيني بعد ذلك على حالها..هذا هو رقمي:٠٥........
-سهام: و من قال اني اريد رقمك؟!!
ذهب ٱدم و لم يجبها و هو يفكر لعل حادثة الرجلين البارحة تركت لأسماء أثرا سيئا على نفسيتها..
انتهى الجزء1
أرجو أن يعجبكم و تخبروني بكل آرائكم و انتقاداتكم و شكرا ^^
المكان:قاعة المحاضرات
الزمان:اول يوم من الاسبوع الثاني منذ بداية السنة الدراسية..
تدخل أسماء بهدوء الى القاعة دون ان تجلب لنفسها الانظار كعادتها..جلست في زاوية منفردة بعيدة عن البروفسور..و هي تنصت له بتركيز..كان الاسبوع الماضي حافلا بالأحداث في منزلهم.. و قد ضيعت الكثير من الدروس بسبب تلك المشاكل العائلية التي صارت سيناريو يتكرر كل مرة كل يوم يرفض ان ينتهي...والدتها لا زالت مصرة للوصول بعيدا في مشكل الميراث مع والدها ..والدها استنفذ صبره و صار يرمي كل حممه الملتهبة عليهم, بما فيها هي و أختها الصغرى البالغة خمس سنوات كوثر..
في الجهة الأخرى من القاعة, كان يجلس مجموعة من الشباب المشاغبين.. الذين تكاد لا تخلو أي دفعة من أمثالهم..طائشون يفضلون قضاء وقتهم في الكلام و اللعب أثناء الدرس.. فجأة التفت البروفيسور اليهم و نادى بالمايك:
أنت الجالس في الأخير.. تعالى هنا و اشرح ما كنت أقوله توا..
صمت في جميع القاعة و الكل يلتفت نحوهم..
-ألم تسمع ماقلته؟ يا صاحب القميص الأبيض..
نطق الذي كان يجلس وسطهم: هل تقصدني أنا سيدي؟
-نعم! أنت يا كبيرهم..أيها الثرثار و من غيرك؟!
انفجر جميع من في القاعة بالضحك و هم ينظرون اليه و يمزحون فيما بينهم..كانت أسماء تراقب الموقف ببرودة كأن الأمر عادي و أن الفتى من حقه أن يمزح مع أصحابه..فكلما اتيحت الفرصة للضحك و قضاء وقت ممتع لابد من اقتناصها..فالدنيا ان كشرت عن أنيابها و قررت انتزاع البسمة منك ,لن ترحمك مهما فعلت... رد الفتى بكل برود غير عابئ بكل ما حوله كأن ذلك لا يعنيه:
-أعتذر..لم أسمع أي كلمة مما كنت تقوله سيدي..
-أنا أعرف ذلك..و لذلك ستحمل أغراضك أنت و مجموعتك و تنقلعون من هنا..
خرج الفتى هو و أصداقه وسط صمت القاعة..و أكمل البروف درسه..
***
عند الساعة الثانية عشرتوجهت أسماء الى المطعم الجامعي, حيث أخذت حصتها و جلست أمام فتاة كانت تعلم أنها في نفس السنة الدراسية معها..
أسماء:مرحبا..المكان فارغ هنا..
-نعم تفضلي اجلسي..
بعد صمت قصير تحدثت الفتاة:
-رأيتك كنت تجلسين في آخر القاعة..لا بد أنك في حاجة الى بداية الدرس فقد جئت متأخرة..
-أجل هل يمكنك أن تعطيني اياه من فضلك؟
-بالطبع..أنا سهام.. و هو نفسه اسم بروفايلي بالفيس, ان شئت بعثته لك هناك..
-آسفة..ليس عندي حساب فيسبك..أعطيني الكراس لأكتب منه ثم أعيده لك..
-حقا ليس عندك فيس؟لماذا؟ستحتاجينه...على كل سأعطيك الكراس كما أردت..تشرفت بك أسماء..
-شكرا لكي..هذا رقم هاتفي ان احتجتني..
بعدما فرغت اسماء من تناول الطعام, ودعت سهام و اتجهت إلى بيتها,بعد مضي ربع ساعة تقريبا في تلك الحافلة قارصة البرودة، في ذلك الجو الممطر، وصلت إلى البيت و ثيابها تتقاطر بماء المطر..أمام الباب، سمعت أصواتا ليست غريبة ابدا..صراخ و عويل..فتحته بسرعة فإذا بها تتفاجأ بأمها تحمل سكينا توجهه نحو صدرها و هي تصرخ: افعلها! هيا افعلها الٱن! اقتلني بهذاالسكين!!
-الوالد :ابعدي ذاك الشيء اللعين الٱن و الا مزقت عظامك!!
-الوالدة: كلا قلها امامي و الٱن!! اعترف انك كنت تقضي لياليك مع تلك اللعينة الرخيصة!! أيها النذل الرخيص!!
-الوالد و قد قفز نحوها ممسكا بشعرها بقوة: ماذا قلتي؟ سأقتلع فكك أن اعدتي كلاما كهذا امامي مرة أخرى!!
-اسماء و هي تسرع نحو ابيها و تبكي:لاااا ارجوك بابا! توقف! دع امي..
بصق في وجه امها ثم تركها و غادر مسرعا في غضب، و قد ضرب باب البيت بقوة ارتجت لها أرجاء البيت..
بقيت امها "رجاء" ساكنة مكانها مدة من الزمن و الدموع تتوالى بحمية على خديها بجانبها اسماء و قد لفتها بذراعيها و دموعها لا تكف عن التتابع هي الأخرى واحدة تلو الأخرى بمرارة.. و ما لبثت أن وقفت الام من مكانها في صمت و توجهت إلى غرفتها و أغلقت بابها بأحكام..مسحت اسماء عبراتها بيديها الباردتين ثم نظرت الى الساعة المعلقة على الحائط..فإذا بها تشير إلى السادسة مساءا..
فقالت و قد ضربت بكفها على صدرها من الجزع:لا كوثر..امي هل اعدتم كوثر من المدرسة؟ هي لا تعرف طريق العودة!!
نهضت من مكانها مباشرة و اخذت مظلة ثم غادرت البيت بسرعة بحثا عن اختها في هذا الوقت المتأخر .. تمشي بخطوات واسعة متسارعة و هي تلتفت في كل الاتجاهات و تبحث في تقاسيم وجوه كل الاطفال امامها، مضى اكثر من نصف ساعة على خروج اختها، يكاد القلق يوقف دقات قلبها المتسارعة.. الى أن وصلت إلى مدخل المدرسة، حيث المكان كان خاليا تماما، فلمحت اختها كوثر بوجهها البريء الطفولي، لكن تلك الأجواء المتجمدة القاسية خطفت منه كل ابتسامة.. ما أن رأتها حتى اخذت تجري نحوها: اسماااء ..
- اسماء و هي تقبل كوثر و تلفها بغطاء دافئ: حبيبتي سامحيني تاخرت عليك و تركتك تنتظرين..
-كوثر بابتسامة طفولية: لا كنت اعلم انك ستاتين..
-اسماء: لنذهب بسرعة الٱن و الا حل الظلام..
وصلت البنتين الى البيت، و قد كان هادئا لا يسمع فيه صوت ذبابة.. قامت اسماء بتغيير ملابسها ثم البست اختها كوثر ثيابا أكثر دفئا فهي لا تريدها أن تصاب مرة أخرى بالزكام.. فتحت إنارة المطبخ الذي كان مليئا بالصحون المتسخة المتراكمة..أما الفرن فقد كان كما لو أنه لم يستعمل منذ زمن بعيد.. اخذت تقطع قشور البطاطا و الجزر ثم تركتها تغلي، ثم اخذت في تنظيف الاطباق و هي تغني بصوتها الدافئ الرقيق.. تناولت بعدها العشاء مع اختها، و وضعت حصة امها في طبق و توجهت إلى غرفتها، دقت باب غرفتها عدة دقات ثم فتحته، فوجدت امها مستسلمة في نوم عميق، فوضعت الطبق بجانبها وغطته، ثم طبعة قبلة على جبينها و غطتها بغطاء صوفي و أغلقت الإنارة... اخيرا اتجهت إلى غرفتها. والتعب يقطع أوصالها..انها العاشرة ليلا.. كان عليها أن تكتب ذلك الجزء من الدرس الذي أخذته من صديقتها سهام، أخرجت كتبها و أقلامها و شرعت في الكتابة..و ما هي إلا عدة دقائق حتى غطت في نوم عميق على مكتبها...
***
رن المنبه..مدت يدها ببطء لتوقف صوته المزعج ثم نهضت بهدوء من سريرها..و بعد أن نظفت غرفتها و قامت بكل الطقوس اليومية الصباحية التي تعودت القيام بها، من تحضير للفطور و إيقاظ أختها الصغرى و مساعدتها في تجهيز نفسها... اتجهت معها نحو مدرستها لايصالها، و في الواقع كانت تلك هي طريقها أيضا نحو محطة الحافلات، حيث تتجه بها إلى الجامعة...ودعت كوثر ثم صعدت الحافلة ، المكان مكتظ جدا..بالكاد استطاعت التقاط أنفاسها.. أسماء تحدث نفسها: يا الهي.. متى ستنتهي هذه المهزلة و يخصصون لنا باصا لنقل الطلبة بففف..
وقف ذلك الموزع للتذاكر عديم الوجه امامهم و هو يصرخ و يشتم: هيا تقدموا انتم الى الامام المكان فارغ من هناك!! كأني أكلم اصناما!! هيا ما بكم؟!!
كان الجميع يترقبه في غضب, منهم من رمقه بنظرات سخرية و منهم من رد له الشتيمة باحسن منها!.. نظر الموزع إلى أسماء التي بدت معزولة عن العالم الخارجي، نعم فهي لم تسمع كلمة مما قاله، بالها مشغول بأمور أخرى بعيدة عن هذه التوافه.. فقال بطريقة بعيدة كل البعد عما هو حضاري و لبق و هو يلوح بيديه: اختي هل انت صماء بكماء؟ الا تسمعين؟! اخبرتك أن تبتعدي من هنا!!!
-اسماء بغضب: ما بك تأكل نفسك؟ !! هل هذه حافلتك!! ام هذه طريقك!!
-الموزع بغضب و هو يرفع يده نحوها: ماذا؟! هلا أعدت ما قلته!!سأعيد تربيتك إن لم يكن والديك قد ربوك!!
و بدأ فوج من الركاب يسكتونه و يبعدونه و منهم من ينتقد قلة أدبه... بينما تفاجأت اسماء وسط تلك الجلبة بيد امتدت لها تجذبها.. كانت تلك سهام، و قد رأت كل ما حدث..
-سهام: اسماء ما بك؟ دعكي من هؤلاء الحمقى المجانين و كبري عقلك مع أمثالهم في المرة القادمة!!
-اسماء: لن اكبر عقلي! هل سمعتي ما قاله؟! قال إن والدي لم يربوني!! هذا البخس المتطاول!!
-سهام بصوت هادئ: اعلم..و لكن لو كان مخدرا أو يحمل معه سكينا كنت..
و لم تكمل جملتها حتى رأت اسماء تتجه بسرعة لتخرج من الحافلة..
-سهام و هي تتبعها: اسماء..انتظري الى اين؟.. نحن متأخرتان لا يمكنك الذهاب الٱن!
-اسماء: لنركب سيارة أجرة.. انا لم اعد احتمل هؤلاء!..
-سهام:.. حسن كما تريدين..
***
عند قاعة المحاضرات، جلست اسماء بجوارها سهام..
-اسماء: لم اتمكن من إنهاء كتابة الدرس..تعيريني إياه مرة أخرى لاكمله؟
-سهام و هي تأكل شوكولا المفضلة لديها: اكيد..
-اسماء: شكرا.. و بعد تلك المحاضرة الطويلة اتجهت الفتاتان مع بقية الطلاب كل يذهب إلى وجهته..
-سهام بابتسامة مرحة: هل تتناولين معي الفطور كالبارحة؟
-اسماء و هي تغطي فمها بكفها كأنها تذكرت شيئا:اه..شهادة التسجيل نسيت احضارها لاصحح الخطأ المطبعي فيها..
-سهام: لا عليك..فلنذهب للمطعم الٱن ثم نتجه إلى الإدارة فيما بعد..اصلا ستكون مغلقة الٱن..
توجهت الفتاتان الى المطعم و بعد ما ملأتا صحنيهما، جلستا معا بإحدى الطاولات .. و شرعتا في الأكل.. فجأة اذا بهما تتفاجٱن باصوات و صراخ يرتفع!! و الكل ملتفت نحو مصدر ذاك الضجيج..كان ذلك هو نفسه الفتى الذي طرد من المحاضرة السابقة..و هو ينظر شرزا الى الفتى الٱخر أمامه: اذهب الى الجحيم ! انت و مكانك اللعين هذا يا ابن****
-الفتى و هو يلوح بيده في غضب: سأريك يا *** س***** يا نصف الرجل!
ثم أخرج من جيبه قطعة حديدية حادة الطرفين ووجهها نحو رأسه.. لكن ذاك الفتى تفاداها بسهولة و بحركة خاطفة برجله و ذراعه تمكن من طرحه ارضا، الا ان الٱخر استعاد وقفته بسرعة و لكمه بقوة في وجهه فردها الٱخر في بطنه و ضربه برأسية قوية في رأسه..فتناثرت الدماء في القاعة و اخذت الفتيات في الصراخ..و اتجه ٱخرون، بما فيهم أحد الطباخين الذي ترك الصلصة تحترق ،و جرى نحوهما ..ليوقفوا عراكهما ..بينما لا يزالان يتبادلان الضربات و السب والشتائم الى أن حضر المراقب و الحارس و عاملان آخران و اصطحباهما إلى الإدارة لتسوية المشكل هناك.. و بينما هو متجه الى الخارج كأنه سجين مكبل و كل الأنظار متجهة نحوه رمق من بعيد وجه واحد بدى غائبا تماما عن كل ما يحدث بنظرة واحدة كانت كافية لتذكر كل تفاصيله..
-سهام و هي تنادي منذ مدة على اسماء : اسماء! اسماااء!
-اسماء:نعم..هل قلت شيئا؟
-سهام: هل قلت شيئا؟انا اناديك منذ الصباح كل من حولنا استداروا الا انت!!ما بك؟
- اسماء:ٱسفة ههه.. في الواقع أنها ورقة التسجيل تلك لا ادري كم سأنتظر ليصلحوا خطأها..
صمتت اسماء الا أن الأفكار في رأسها لم تتوقف عن التحرك.. ماذا لو طلب منها شهادة ولي الامر، كيف ستأتي بأبيها الى هنا...
-سهام:أسماااء.. تتركيني احدث نفسي كمجنونة!
-أسماء:ٱسفة ههه ماذا قلتي مرة أخرى؟
-سهام بتكشيرة طفولية:لن اعيد كلامي مرة أخرى!
-اسماء:ههه ما بك؟ انها مجرد كلمات مجانية لن تأخذ منك شيئا
-سهام:ماذا عن الطاقة التي ستستهلكها خلال ذلك؟
-اسماء:دعنا من فلسفتك الٱنو تكلمي..
- سهام: هل تعرفين ذاك الفتى المجنون المدعوٱدم؟.. لقد كان يراقبك منذ سقط نظره عليك..
- أسماء: ماذا؟ انا لا أعرف أحدا بهذا الاسم..فلنذهب إلى الإدارة الٱن.. لا بد انها فتحت..
***
توجهت الفتاتان إلى الإدارة هناك حيث وجدوا عدة أشخاص ينتظرون دورهم من بينهم ذلك الفتى و جماعته.. جلست اسماء بجوارها سهام يتبادلان الحديث إلى أن جاء دورهما، فاتجهت اسماء الى باب المراقب لتفتحه و للصدفة كان ذلك الفتى ٱدم ايضا يهم بفتحه فتلاقت انظارهما فقال بعفوية: تفضلي ادخلي..
-اسماء: لا عليك ادخل انت افضل أن انتظر..
-ٱدم: لا بل ادخلي انت، النساء اولا .
صمتت اسماء و هي تقول في نفسها: لن اروي امامك قصة حياتي!
و بينما اسماء في محاولة منها للتملص منه كي يدخل قبلها..سمعت إحدى العاملات داخل الغرفة تناديها باسمها:اسماء؟ تفضلي ادخلي..
دخلت اسماء بتافف تتبعها سهام و من خلفهم ٱدم الذي فضل الدخول و الانتظار واقفا طالما الغرفة صارت فارغة الا منهم..
-المراقب: نعم..اخبرتني إحدى الموظفات عن الخطأ في ورقة تسجيلك..سنحاول إصلاحه في اقرب وقت ممكن و لكن لا بد من حضور والدك..
-اكملت الموظفة بجانبه: أن لا زال والدك غائبا عن البيت فلابأس بحضور والدتك..
-اسماء: اا.. حسنا متى ٱخر مهلة؟
-المراقب: نرجو حضوره في اقرب وقت ممكن..قبل أن تتراكم أوراق أخرى ههه..
-اسماء: حسنا سأحاول..شكرا..
توجهت الفتاتان بعدها خارجا في حين لم تسمعا ٱدم الذي طرح سؤاله: والدك هرب من البيت؟
و في الرواق الجامعي, اخذت اسماء تمشي بسرعة في غضب و هي تتذمر: لم عليهم دائما أن يتدخلو فيما لا يعنيهم؟!! ذلك المزعج!!
-سهام: لا عليك يا اسماء.. أنه أمر صغير لا تحمليه اكثر من أهميته..
و بينما هما في طريقهما لحضور الدرس الثاني، اذا بيد توقف اسماء من كتفها فاستدارت، فإذا بها تجد ٱدم ينظر إليها و يقول بنبرة حادة: لقد سألتك سؤالا يا ٱنسة! لا تتجاهليني!!
-اسماء: ماذا ؟ من انت لتحدثني هكذا؟ احترم نفسك يا هذا!!
-ٱدم: انا انسان محترم!! ثم انك لم تشكريني حتى عندما سمحت لك بالمرور امامي!!
-سهام بحدة: يالك من متفلسف مزعج! ليس لدينا الوقت لامثالك..
-اسماء بسخرية: محترم..طبعا ذلك واضح..
-ٱدم بغضب: اسمعي!سمحت لك بالمرور قبلي ليس لأني رخيس او زير نساء!! مفهوم!! انا لي مبادئي التي لا أتخلى عنها ابدا!!لا داعي لأن ترمقيني بنظرتك الصفراء تلك!!
-سهام و هي تسحب اسماء من ذراعها:دعينا نذهب..يبدو أن البعض قد فقد عقله..
- اسماء: يبدو أن الكاسيات العاريات لسن وحدهن من ظهرن.. فالكاسون العارون من عقولهم قد ظهروا ايضا..
دخلت اسماء قاعة المحاضرات و جلست مع سهام كالعادة في مكان بعيد عن البروفيسور..الذي بدأ بشرح الدرس و هما في غاية التركيز، و ما هي إلا بضع دقائق حتى جلس خلفهم مجموعة شبان، كانوا يتكلمون و يمزحون فيما بينهم، لم يكن البروف ليسمعهم لكن بالنسبة للأشخاص الجالسين قربهم، خاصة اسماء و سهام، فقد شتتوا عنهم كل انتباههم.. في حين كانوا يصدرون أصواتا غريبة يتفوهون بعبارات دنيئة و احيانا يسبون بعضهم بكلام فاحش يصم الاذن.. نظرت سهام الى أسماء التي بدت متجمدة مكانها من شدة الغضب و القلم يرتعش بيدها كأنها ستمزقه اشلاءا..و في حركة خاطفة و قفت ممسكة حقيبتها و رمتها بكل قوتها في وجه ذلك الفتى الذي كان يتوسط تلك الجماعة و الذي لم يكن إلا ٱدم..
صمت حل بكل أرجاء القاعة و البروف توقف عن الشرح..
-اسماء:رخيس و دنيء!!
ثم خرجت بسرعة في غضب غير عابئة بنداءات البروف المتكررة لايقافها..فيما بقي ٱدم مذهولا و قد فتح فمه من جنون تلك الفتاة..
***
عادت بسرعة إلى البيت.. و رمت الحقيبة على السرير و استلقت بجوارها و هي تتنفس بقوة و بسرعة.. ياله من يوم ممل و مزعج! بعد بضع دقائق تلقت اتصالا من سهام تطمئن عليها..فأخبرتها انها بخير الأن.. لم يمض بعدها وقت طويل حتى ارتدت معطفها و توجهت لاحضار كوثر من المدرسة، كان عليها الوصول بسرعة فقد تلقت رسالة من معلمتها تخبرها بضرورة قدوم أحد والديها.. و طالما والديها في عالم ٱخر بعيد كل البعد عن ابنتهما و عن مشاكلها..فقد اضطرت اسماء للذهاب عوضا عنهما...
وصلت إلى المدرسة..حيث وجدت المديرة بجوارها المعلمة.. و فور أن رأتها اعتذرت و تقدمت نحو اسماء: السلام عليكم..
-اسماء: و عليكم السلام و رحمة الله..اعتذر للقدوم عوض والدي..
-المعلمة بابتسامة: لا عليكي.. انا اعلم انك اكثر شخص يهتم بكوثر و شؤونها,لذلك يسعدني قدومك..انها فتاة ذكية جدا و نشيطة,و قد نظمت المدرسة مع مدارس أخرى مسابقة كنت أرجو أن توافقوا على مشاركة كوثر فيها..
-اسماء: هذا جميل..يسعدني هذا..لكن يجب أن نرى أن كانت كوثر نفسها تريد المشاركة..
-المعلمة: في الواقع هي موافقة تماما..لكنها ستحتاج إلى الدعم و المساعدة..هل يمكنك مساعدتها ؟
-اسماء:بالطبع..هذا مؤكد.. شكرا لكي..
-المعلمة: العفو الشكر لكي..
اصطحبت اسماء كوثر إلى البيت و هي تصغي الى كل قصصها الطفولية التي ترويها لها بكل فرح.. تلك الحكايات البريئة التي تنسينا احيانا وحشة هذا العالم المظلم..
في البيت، قامت اسماء بتحضير طعام العشاء كالعادة، لم تكن امها بالبيت فهي غالبا غائبة.. أما عند بيت اهلها أو عند إحدى جاراتها..أما والدها فلم يعد منذ آخر مرة خرج فيها من البيت.. و بينما هي منهمكة في تنظيف الأرضية اذا بها تسمع صوتا غريبا قادما من الحمام..
-اسماء: كوثر؟ هل انت في الحمام؟
تقترب بهدوء الى مصدر الصوت، تفتح باب الحمام فإذا بها تتفاجأ بكوثر و هي تتقيأ..
-اسماء بقلق: مابك؟ هل انت بخير حبيبتي؟ انتظري ساساعدك..
قربت دلو الماء إليها و ساعدتها في تنظيف نفسها و المكان الذي اتسخ بسبب القيء.. ثم حملتها و توجهت بها إلى أقرب غرفة..
-اسماء: حبيبتي..كوثر..هل انت على ما يرام؟ هل بطنك يؤلمك..
كانت كوثر ترد بايماآت صغيرة برأسها و جسدها الضعيف بالكاد تحركه.. لم تستطع اسماء الانتظار دقيقة واحدة أخرى من شدة القلق..فحملتها و توجهت بها في ذلك الجو المظلم الى اقرب محطة لايصالها الى المستشفى.. كانت الحافلة فارغة تقريبا الا من رجلين اثنين بقيا يحدقان فيها طيلة الوقت، كذئبين ماكرين..في البداية تظاهرت بعدم رؤيتهما أو ربما لم تثر نظراتهما اي ريبة..لكن ما أن اقترب مكان نزولها حتى صارت يداها ترتعدان من الخوف..و هي التي لا حول لها و لا قوة، مالذي يفكران فيه؟ ماالذي يخططان له؟
توقفت الحافلة و نزلت اسماء و هي تحمل كوثر بين يديها و بخطوات متسارعة تحاول الا تلتفت للوراء و ألا تسمع شيئا خلفها.. لكنهما خلفها..و لا يزالان يتقدمان و صوت طرق أحذايتهما يقترب شيئا فشيئا الى اذنيها..إلى أن لم يعد يفصلهما إلا سنتمرات قليلة..فحاصراها واحد من الامام و الٱخر من الخلف.. و بصوته البشع و فمه المقزز من أثر التدخين و المهلوسات قال: لا تهربي عزيزتي.. لن نفعل لك شيءا..
- أضاف الٱخر: لسنا الا أشخاصا مسالمين نريد منك شيئا صغيرا و نتركك ترحلين هههههه..لكن اولا افرغي كل ما في جيبك و لا تخافي..
و قد امسكها بقوة من ذراعها حتى كادت كوثر أن تسقط ارضا، فأمسكتها بالكاد و هي تسعل بقوة..
-و اسماء تبكي و تستغيث:دعني ارجوك..انها مريضة..خذ كل شيء..فقط دعني اوصلها الى المشفى..
***
كان يمشي ببطء، يديه في جيبيه الاماميين، يصفر بلحن هادي مرح..بعد أن أنهى تدريبه الاعتيادي مع أصدقاءه في الملاكمة..الى أن وصل أسماعه صوت صرخات متتالية متقطعة يتخللها صوت ضحكات رجولي، فتوقف للحظة ثم قرر أن يرى مصدر ذاك الصوت.. في الناحية الأخرى من الطريق، اذا به يتفاجؤ برجلين ضخمين يحتالان عليها و بقوة نزع أحدهما حجاب رأسها و الطفلة الصغيرة مرمية على الارض تبكي و تصرخ.. لم يحتمل ما رأى و بلا وعي جرى نحوهما و لطم ذلك الرجل لطمة تناثرت منها دماء فمه و أنفه في الهواء فسقط أرضا.. و بينما هو يهم بضرب الٱخر إذ وجده يقبل عليه برجله فضربه ضربة مباشرة في صدره فسقط على ظهره.. لكنه سرعان ما مد يده إلى عمود حديدي كان بجواره و أمسك حجابها المرمي على الارض و رماه اليها وهو صرخ: هيا البسي هذا و اذهبي بسرعة!!
-اسماء و هي تحمل كوثر بجزع: ماذا عنك؟ ماذا س..
لم يفسح لها المجال لتنهي كلماتها و صرخ مرة أخرى: قلت لكي اذهبي!!!
-اسماء بخوف: حسنا..
اخذت كوثر و اتجهت مباشرة إلى المشفى، بينما بقي ٱدم وحده مع أولئك الاوغاد..فلقنهم درسا في المصارعة ..
في المشفى لم تنتظر كثيرا حتى جاء دورهما..دخلت اسماء و كوثر فقام الطبيب بفحصها..
الطبيب: هل تأكل بشكل جيد ام ان شهيتها تغيرت في الٱونة الأخير؟
اسماء: لا انها تٱكل جيدا..
الطبيب و هو يطبع اسمه و اسم المشفى و مكانه في ورقة الدواء: لا تقلقي انها مجرد حمى طفيفة و ستذهب أن شاء الله ..فلتحافظ على مواعيد الدواء في وقتها و باذن الله تكون بخير..
اسماء: أن شاء الله..شكرا لك..
الطبيب: العفو..احذرا انفسكما في الطريق..
خرجت اسماء و بينما هي تهم بالذهاب مع كوثر اذا بٱدم يلمحها من غرفة الانتظار فاتى بسرعة نحوها و سألها:
-ٱدم: كيف حالها هل هي بخير؟
طأطأت اسماء برأسها في خجل، فقد تذكرت كل ما وصفته به..الرخيس الدنيء و كيف ضربته بحقيبتها..فقالت:
-اسماء: شكرا لك على كل شيء..
ثم أسرعت بالذهاب اذ لم تعد تحتمل ذلك الموقف المحرج اكثر..و ما أن تجاوزته حتى امسكها من ذراعها و أعادها بهدوء أمامه و قال:
آدم :لن تذهبي وحدك في هذا الليل.. سأرافقك و سأبقى مسافة بعيدا عنك فلا تخافي..
صمتت اسماء و حركت رأسها موافقة..
فأكمل: شيء ٱخر..أين ورقة الطبيب؟ فأشارت اسماء الى ورقة الدواء و قالت:
أسماء: تقصد هذه؟
اخذها ٱدم ووضعها في جيبه و قال: لا يمكنك شراء الدواء في هذا الوقت..دعي الأمر لي..
اسماء: لا لا داعي..
ٱدم: هيا فلتسرعي لقد تأخرت..
مشت اسماء الى الحافلة و ٱدم خلفها يراقبها.. ركب الحافلة ايضا و رافقها إلى أن وصلت إلى الطريق المؤدية لبيتهم.. فبقي عند بداية الطريق يراقبها إلى أن وصلت إلى منزلهم..
دقت اسماء الباب بهدوء، ثم أخرجت المفتاح و فتحته، دخلت و قد كان السكون يخيم على أرجاء البيت..و ما هي الا ثواني قليلة حتى ظهر والدها من غرفة المعيشة و نظر إليها في غضب شديد و صرخ: أين كنتي في هذا الوقت؟!!!
-اسماء بدهشة لم تتوقع وجوده ابدا: ابي.. انا..
قاطعها و الغضب يتطاير من عينيه و صرخ : انا اتكلم معك!! و اخذت اختك ايضا ايتها اللعينة!!
فرفع يده عاليا و صفعها صفعة ارتج لها كل جسدها الصغير فسقطت أرضا..
-فأضاف: سأريك ايتها الكلبة كيف تحتالين علي انت و امك الساقطة!!
ثم شرع في ضربها برجله و ولكماته..و هي تحاول أن تقاوم ..لكن بلا فائدة جسدها الضعيف لا يتحمل كل تلك الضربات القوية المتتالية إلى أن أغمي عليها.. فتركها بلا رحمة و غادر البيت..
أما كوثر فكانت بالقرب منها تصرخ و تبكي لا تدري ما تفعل..
***
صباح ٱخر في تلك الجامعة و يوم ٱخر مع الاخوة..تقدم ٱدم و صافحهم ثم أخذ يبحث بعينيه في كل الجهات.. فقال أحدهم:
-أمين: ما بك؟كأنك فقدت**** في مكان ما..
فضحك الجميع و نظر ٱدم إليه بحدة و قال: لا بأس انا على الاقل فقدت***** هناك..أنظر لحالك فقدت ****في **** المسكينة ههههه..
-أمين: ماذا؟ ليتني فعلت ذلك هاهاهاهاها
ٱدم في نفسه: ما بها؟ لما لم تأتي؟؟
دخلوا القاعة فبحث بعينيه هناك ايضا لكنه لم يجدها..الا انه لمح شخصا ٱخر قد يدله عليها.. تقدم ببطء من سهام ثم حياها..لكن كان واضح انها ليست مستعدة لتلقي كلمة واحدة منه.. فقال:
-آدم:أين اسماء؟
- سهام: و لم تبحث عنها؟
- ٱدم: سألتك سؤالا فأجيبي.
- سهام: لا ادري..لم نتكلم منذ البارحة.. مالذي تريده منها؟
صمت ٱدم لمدة كأنه يفكر ثم قال:حسنا اعطيها هذا في اقرب وقت ممكن..
فقرب إليها كيس الدواء الذي اشتراه صباحا.. فقالت :
-سهام:لمن هذا؟ اهي مريضة؟
- ٱدم: اعطيه لها و طمئنيني بعد ذلك على حالها..هذا هو رقمي:٠٥........
-سهام: و من قال اني اريد رقمك؟!!
ذهب ٱدم و لم يجبها و هو يفكر لعل حادثة الرجلين البارحة تركت لأسماء أثرا سيئا على نفسيتها..
انتهى الجزء1
أرجو أن يعجبكم و تخبروني بكل آرائكم و انتقاداتكم و شكرا ^^
تعليق