أليس الإنسان حرا؟!

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Kimojeko
    عـضـو
    • Mar 2017
    • 1

    أليس الإنسان حرا؟!


    " أرتدي السلسلة التي زيفتها في الحياة ... لقد صنعتها وصلة بوصلة، وياردة بياردة، تمنطقت بها ارادتي الحرة، كما ارتديتها بأرادتي الحرة."
    تشارلز ديكنز



    مقدمة

    كان غلاما يبدأ يومه دوما مرحا، يستمتع بحياته فرحا، ويذهب لسريره يستلقي حين تداهمه كفايته من ولعه باليوم والغد. أخذت أيامه تنضجه، وفي نضجه عرف مواهبه؛ فأعطت لحياته المعنى، وطلت ببريقها تلهمه. وفي نضجه كسب صداقات، وصداقة تتلو زميلتها، فتناسى صداقات صباه.
    وفي نضجه عرف مشاعره، وكأنه اكتشف كنوزا تحوي جواهرا لا يعرفها، ولم يعلم أنها ستقوده لمتاهة لا يتخيلها. عرف مشاعره فأطلقها كالخيل حين تطلقه، كالموج الهائج يتخبط بصخور فيزلزلها.
    ظن مشاعره أصدافا مستورة بداخل هيكله، ولم يعلم أنها كالوحش حين تطلقه يحطمك، ولا يكتفي أبدا بفريسة، بل يبحث عنك ليمزقك. اطلق هذا الوحش الثائر يختار فريسة ليجبرك، بها تمضي تفكيرك دوما وإليها تعدو مشاعرك.
    فاختار صديقة تناسها حين داهمه زمان النضج، فلقد شاركها محبته أيام خيالات صباه. كانت قد روضت الوحش الذي سبقته في اطلاقه. كانت ترغب في لقياه وتضحكها دوما حماقاته، ولكن لم يستحوذ أبدا حتى على جزء من مشاعرها؛ بل كان بمثابة شخص يشعرها دوما بقيمتها.
    ولكن لم يتركه الوحش فأوهمه بأوهام عدة، حتى من كثرة اوهامه صدقها لتصبح واقعه، واقع أمل أن يحياه وأن يستنشقه في هواه. ولكن ليته لم يعرفها، ليته لم يطلق ذاك الوحش.
    فتلاقت أوهامه يوما بحقائق لم يدركها، كانت له بمثابة صدمة بين خيال أصبح واقع ووقائع لم يتخيلها.
    فانهار كيان، وفقدت كنوز، وضاعت جواهر. وكانت نهاية لغلام حالم وكانت بداية لشاب ناضج.







    الفصل الأول: قاعدة الأنتظار


    واقفا بين جموعا منتظرة، يراقبون بخلسة ألافا ممن يسيرون، يسيرون كلا في طريقه، لا أعلم إن كان هذا هو الطريق الأفضل لكل منهم أم لا، وأعتقد أنهم أيضا لا يعلمون. ولكن أليس السير أفضل من الوقوف منتظرا؟!
    فقررت أن أسير، فأعددت مؤن الطريق وحزمتها في حقيبتي وحملتها على كتفي، ورفعت قدمي من على الأرض وحركتها في الهواء بسلاسة - رغم ترددي – حتى استقرت مرة أخرى على الأرض وأطلقت على هذا الفعل "خطوة"، وعرفتها بأنها وحدة السير؛ فمئات الخطا يصنعون مسيرة.
    وهؤلاء الألاف السائرون قد أتخذوا من قبلي هذه الخطوة الأولى. ولكنها لم تستوقفهم، فعقبها ألاف الخطا. ليس من الضروري أن تكون جميعها أتخذت بسلاسة، ولكن الخطا تتخذ على أي حال إلا إذا كنت من رواد قاعدة الأنتظار. نعم قاعدة الأنتظار؛ إنه عالمي الحالي، حيث نشأت وترعرت، وتعلمت الحياة – أقصد الأنتظار، حيث اشتد ساعداي وقلمت لحيتي للمرة الأولى، حيث دق قلبي ولمعت عيناي، وحيث هاأنا أواجه لأول مرة مخاوفي، فأنا علي أعتاب مغادرته بكامل ارادتي الحرة.
    ولكن أي طريق أسلك؟ هناك العديد. فقررت أن أنظر إلى خطا من يسيرون قد تدلني على الطريق الصحيح، ولكنها جميعها متشابهة أما الطرق فمختلفة.
    ففكرت أن أتأمل هيئة السائرين وأتجه إلى حيث يدنو من تشبهني هيئته، ولكن هناك الكثيرون، فجميعنا متشابهون، أما أنا فواحد.
    لم يتبقى لي إلا أن أقارن بين الطرقات ذاتها، فلابد أنها مختلفة وإلا لسار الجميع في طريق واحد، فرفعت رأسي إلى فوق قليلا ووضعت يدي أعلى أفق النظر كي تحجب عن عينايا أشعة الشمس الموهجة، وأخذت أتفحص حال كل طريق؛ بعضها طرق ممهدة وبعضها غير ممهد، بعضها اتجاه واحد وبعضها اتجاهين، بعض الطرق متشابكة وبعضها منفصلة، بعضها تشق صحراء جارفة وبعضها تتوغل غابات شاسعة، وبعضها يربطها ميادين عظمي.
    وحينما نظرت إلى جانبي الطريق هذا ما لاحظت: جميعها تخلو من إشارات المرور؛ فليس هناك علامات كي تنظم السير.
    ولأن جميع الخطا متشابهة، وجميع السائرين متشابهين، وكل جوانب الطرق بلا علامات، فلماذا لا أبحث عما أيضا تتشابه فيه الطرقات جميعا!
    فرفعت نظري إلى فوق أكثر، وإذ بي لا أرى لأي منها نهاية! أيعقل أن تكون جميع الطرق بلا نهاية؟! أم أن نظري هو المحدود؟ وإن كان نظري محدودا، فكيف لي أن أسلك طريقا لا أعرف نهايته!
    تراجعت الخطوة التي خطوتها، وقررت أن أظل واقفا في صفوف المنتظرين، فلابد أن هناك لإنتظارنا حكمة. ولابد أن لوجودي بينهم حكمة. فهم أهلي وعائلتي وأصدقائي. هم من تعرفت على الحياة من خلالهم. هم من رأيت الحياة بعيونهم. هم من وقفوا بجانبي حتى أصبحت علي ما أنا عليه الأن؛ واقفا منتظرا مثلهم.
    تنفست الصعداء وحمدت خالقي الذي رحمني من مشقة عناء المغامرة، ورفعت يدايا نحو السماء وشكرته مليا لأنه حفظني من السعي إلى المجهول، وحينما فرغت من الشكر أخذت أتأمل أشقائي الواقفين الذين يشاركونني إنتظاري.
    بعضهم حديثي الإنتظار؛ لم يشارك في نشأتي ولكنه يقف بجواري الأن، فبعضهم لجأ إلى الإنتظار بعد سعي طويل، وبعضهم طال به الانتظار ولكن شعر رأسه رفض أن ينتظر معه، وجبهته غيرت الشمس لونها، وبصره كل من الحفاظ على حدته، أما اسنانه فمازال محتفظا بهم ولكن ليس بمكانهم الصحيح بداخل فمه، ولكنه مازال منتظرا.
    أما هؤلاء المنتظرون بعد سعي طويل، الذين مالبثوا أن يصلوا إلى قاعدة الأنتظار، فخطاهم واضحة جلية إلى العين، ولكنها جميعها متشابهة مثلها مثل خطا السائرين، مثلها مثل خطوتي التي تراجعت عنها.
    وحينما وجدت الخطا متشابهة، سرعان ما نظرت إلى هيئتهم، فوجدتها أيضا متشابهة، ومن الغريب أن هيئتهم لا تختلف كثيرا عن هيئة السائرين لكنها أوضح بكثير عن قرب؛ الشيء الوحيد الذي يفرقهم هو ما فعل الزمان بكل منهم، فبعضهم أكثر سمرة عن الأخر، وبعضهم أكثر إنحناءا عن الأخر، وبعضهم أكثر بؤسا. ولكن في النهاية جميعنا متشابهون، جميعنا خليقة رب واحد، وجميعنا منتظرون.
    وهنا قررت أن أتأمل قاعدة إنتظارنا حيث خلقنا، فهي أيضا تخلو من أية إشارات لتنظيم الإنتظار؛ فنحن نقف بإرادتنا وسنتحرك بارادتنا إن أردنا حينما نريد أن نتحرك، فليس هناك ما يكبلنا إلا أنفسنا.
    وإن كانت الطرقات لا نهاية لها، فنحن أيضا لا نعلم متى سينتهي إنتظارنا كما أننا لا نعلم أيضا ماذا نحن ننتظر. وإن كان الإنتظار حياتنا، وهو مايبقينا على قيد الحياة، فلماذا تبدأ رواياتنا دائما هكذا: "كان هناك ملاح طرق في أحد الطرقات ......" وكأن هذا الملاح هو حلم كل منتظر الذي يخشى أن يحققه!
    فرفعت عينايا نحو السماء إلى حيث ما وجهت شكري وسألت خالقي: لماذا أنا منتظر؟! وبماذا ينفع الإنتظار إن كنت لا أعلم متى سينتهي؟
    رددت السؤال عدة مرات في البداية بخجل ثم باصرار ولكني لم أتلقى جوابا، فصمته ليس عدلا حينما أحتاج جوابا. فسألت نفسي إن كان قد خاب ظني بخالقي ولكن نفسي أيضا التزمت الصمت.

    " أليس الإنسان حرا؟!"
    هكذا صرخت بين جموع الواقفين، ثم استطردت بصوت جهوري متسائلا: " إن كنا أحرارا فلماذا نتشبث باماكننا؟ ولماذا نقيد خطانا إن كان بإمكاننا أن نتحرك كبحارين طرق أحرار؟"
    وإذ بهم جميعهم ينظرون نحوي شظرا وكأنني خالفت آداب الإنتظار، إلا واحدا ظل منتظرا كما هو دون حتى أن يحرك جفنا وكأن سمعه كل من الانتظار معه!
    ثم رأيت لحية تقترب، تنسدل غير مصففة مع شعر رأسه، تجاعيد وجهه جعلتني أظن أنه قد يكون من مؤسسي قاعدة الإنتظار. أخذ يقترب ويقترب، مقنعا وجهه – وحتى إن حرك إحدى عضلات وجهه ليغضب أو حتى ليبتسم فلحيته وتجاعيد وجهه ستحجب إنفعالاته – وحين أصبحت المسافة بيني وبينه كافية أن أسمعه حين يهمس، نصب ظهره المنحني وابتسم نحوي قائلا:
    "ألا يعجبك الإنتظار معنا؟"
    ترددت في الرد قليلا فقد تكون ابتسامته هي الهدوء الذي يسبق العاصفة، وقد تكون دلالة على حسن نيته، ففكرت أن أوجه له نفس السؤال حتى أعرف نواياه:
    " ألا تريد أن تصبح واحدا من السائرين؟"
    أعتقد أن هذا السؤال كفيل بأن يكشف عن صدق نواياه تجاهي.
    فضحك ضحكة متقطعة بصوت عالي ليشاركه بها جميع الناظرين تجاهي، ثم نظر نحو الطرقات هنيها، وعاد الي ومد يده – ذو الجلد المتجعد الخالية من الشعر تماما، متعددة الألوان ما بين الأبيض والأصفر والبني – مد يده ليمسك بيدي، وحينها لاحظت أنه أرهق من الوقوف منتصبا وترك قامته للإنحناء مرة أخرى، وبيده الأخرى دب على يدي وقال لي:
    "إنها أحلام الشباب يا بني"
    ثم استطرد بصوت متقطع أيضا : " يوما ما كنت مثلك شابا يافعا حالما، انتظر أن أصبح ملاح طرق في يوم ما، تتملكني طاقة أستطيع أن أغير بها الكون كله، ليس فقط تلك الساحة. ولكني لم أقوى ابدا أن أتكلم بما تكلمت أنت! أنظر يا بني إلى أشقائك الواقفين معنا في هذه الساحة. أتظن أنك أفضل منهم؟! أو أكثر منهم جرأة أو ذكاءا! أتظن أنهم جميعا لم يفكروا أبدا فيما أنت قد أفصحت عنه. انظر إلى أشقائك العائدون من الترحال. اسألهم عن سبب عودتهم مرة أخري إلي الإنتظار في ساحتنا.
    اليوم أكمل أربعين عاما منتظرا. لم أجرؤ قط أن أفصح عما أنت قد أفصحت، ألا تعرف عواقب أن تصبح من السائرين؟! ... أنظر نحوهم. أنظر إلى الطرقات جميعا؛ أترى في عيونهم أمانا، أترى في خطاهم ثقة، أترى في وجهتهم رجاءا؟
    ولكننا نحن ههنا آمنين .. قد تقول أننا بلا ثقة لأننا بلا خطا، ولكني أحب أن اؤكد لك أن ثقتنا في معرفتنا بالغد، كما أننا مفعمين بالرجاء. ننعم بالآمان بجوار بعضنا البعض.
    يا بني .. عد إلى صوابك، فلا مجال للمغامرة في طرق كهذه لا نهاية لها. "
    ختم حديثه وتركني وكأنه يعرف فيما كنت أتأمل في الطرقات، وعاد كل واحد من المنتظرين إلى انتظاره! تساقطت رأسي وانحدرت عينايا نحو الأرض، فلقد حطم هذا العجوز أحلامي، بل و بفضله قد تلاشت ثقتي بذاتي أيضا، فأنا لست بأهلا على اتخاذ قرار كذاك ..فهاأنا استمتع بالوقوف وسط من يحبونني وأحبهم، استمتع بالرجاء والثقة في الغد الآمن. من الأن فصاعدا سأفكر مليا قبل محاولة التفكير في شيئا كهذا...
    أفكر!! فرفعت رأسي سريعا مرة أخرى، لقد فكرت مليا، فأنا لا أفعل شيئا منذ إدراكي لموقفي المنتظر إلا التفكير .. كفا هذا، يبدو أن هذا الرجل قد أنفق عمره في تربية لحيته، ولا يرغب حتى أن يقلمها. لن أكترث لما قال، ولن يوقفني أحدا البتة...
    وإذا به ينظرخلفه نحوي مرتجيا في أن أعاود التفكير فيما قال، وكأني سألقي بنفسي إلى التهلكة. ولكنني قد إتخذت قراري ولا رجعة فيه، فسألني:
    - أتنوي أن تقتل أمانك؟
    - لقد صرعت أماني حينما رأيت لحيتك وتجاعيد وجهك.
    - أواثق فيما تفعل؟
    - لا مجال للثقة الأن، فالثقة وليدة لتحقيق الذات.
    - وماذا سيكون رجاؤك إن لم تحقق ذاتك؟
    فنظرت نحوه ونظرت نحو الواقفين جميعا ثم رفعت صوتي:
    - يكفيني السعي نحو المغامرة. هكذا سأصبح ملاح طرق!


    يتبع!
    2
    نعم وأنتظر استكمال قرائتها!
    0%
    2
    نعم ولكنها لم تشدني بالقدر الكافي لاستكمل قرائتها!
    0%
    0
    لا ولكني لا امانع استكمال القراءة!
    0%
    0
    لا أعتقد أني أضعت الوقت في قراءة بدايتها!
    0%
    0
  • 2000SOSO
    عـضـو
    • Oct 2016
    • 31
    • ارحـل ياقاسـي ولاتسـأل ** خـذ مننـا ماتبـي ورحـل

      انتـه صفحـه وانـطـوت ** انتـه رحـلـه وانتـهـت

      انـتـه كلـمـه لـلأبــد ** مـن دواوينـي انمـحـت

      ارحل وخـذ ماتبـي ويـاك ** ارحل ياسبت شقاي ارحـل

    #2
    رد: أليس الإنسان حرا؟!

    جميله وموفقة ^_^

    تعليق

    • "لحن الوفاء"
      V - I - P
      • Mar 2013
      • 2413

      #3
      رد: أليس الإنسان حرا؟!



      اهلا وسهلا بيك Kimojeko

      ونرحب بك وبهذه الروايه
      واتمنى لك متابعه مميزه من الاعضاء
      وبالتوفيق ان شاء الله ...
      وبانتظار بارتات وفصول الروايه غااليتي

      تحياتي وتقديري لحضرتك .

      اطيب واسما التحايا لسيادتك .


      تعليق

      google Ad Widget

      تقليص
      يعمل...