كافور الا خشيدي والمتنبي

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الحلم
    مـراقـب عـام
    • Oct 2010
    • 13322

    كافور الا خشيدي والمتنبي

    فلن تغيب عنه أبيات الهجاء التي قالها في كافور، وربما لم يحفظ بعضهم عنه إلا تلك الأبيات، ومن سمع بكافور من طريق المتنبي فقد لا يسلم أن يكون من الغاوين إن لم يتساءل عن الحقيقة، أين تكون؟ أما لو قرأنا التاريخ، وعرفنا ما كان عليه أبو المسك كافور بن عبد الله الأخشيدي، لتملكنا بعض الحياء من تلك الأبيات المقذعة، ولاستبدلنا الثناء عليه بالهجاء، وأعقبنا ذلك بالدعاء له بالرحمة والرضوان.



    إن التأريخ لا يسلم من التزوير حينما يؤخذ من أفواه الشعراء، ولا سيما أولئك الذين يتخذون من شعرهم مصدرا لنيل المجد وتحقيق الملذات النفسية؛ ذلك أن تقييم أولئك لمن يتقصدونهم من أصحاب الرئاسة وذوي الشأن لا يتم إلا من خلال نافذة الوصل والعطاء؛ ﴿ والشعراء يتبعهم الغاوون ﴾ [الشعراء: 224]، وإذا كان تعيير المتنبي لكافور بأنه عبد دميم قد بيع في الأسواق، فإن هذا ليس باختياره، ولا يلام الإنسان على ما كتبه الله عليه قدرا، وإذا أردنا البحث عن عيوب الرجال المكتسبة، فإن شاعرا كالمتنبي - في الوقت الذي كان يفوق شعراء عصره جزالة ومعنى - لم يكن إلا مرتزقا من الطراز الأول، فحياته التي تنقل فيها ما بين الشام ومصر والعراق وفارس لم يكن له هدف غير انتقاء الولاة البارزين والاتصال بهم - حيث مكنته موهبة الشعر من ذلك؛ طمعا في كسب المال والجاه والقرب، ولا نعلم أن للمتنبي هدفا غير ذلك!



    إنه لم يكن يحمل هم أمة أو دين، ولم يكن معنيا بمذهب أو عدل من يتصل به من الولاة، فقد اتصل بسيف الدولة الحمداني، ورغم شجاعته وعطائه إلا أنه كان شيعيا كثير الضرر بأهل السنة، قال ابن كثير واصفا حال حلب عندما غزاها الدمستق: "... وكذلك حاكمهم ابن حمدان كان رافضيا يحب الشيعة ويبغض أهل السنة، فاجتمع على أهل حلب عدة مصايب"؛ [البداية والنهاية (11/255)] ، وقد يجوز لنا إضافة المتنبي إلى قائمة المصايب تلك؛ لأنه الة الإعلام التي كانت تبجل الحاكم وتخفي عيوبه.



    ثم قصد المتنبي بعد ذلك (كافورا) في مصر، وقد مدحه بأنفس القصائد، فلما رأى أنه لم يجد بغيته عنده هجاه بأقذع ما أملته عليه موهبته الشعرية من هجاء، ثم لاذ بالهرب من مصر خفية، واتصل بعد ذلك بعضد الدولة البويهي، الذي تمكن من حكم بغداد في تلك الفترة، وقال فيه شعرا رائقا، وعضد الدولة كان شيعيا رافضيا يكره أهل السنة ويحيي البدع، حتى تلقب بما لا ينبغي من الألقاب فلقب ب(شاهنشاه)، وهي تعني: (ملك الملوك).



    ونعود إلى كافور الإخشيدي لنرى: هل كان أهلا لهجاء المتنبي اللاحق، أم كان أهلا لما سبق من الثناء؟ إذا نظرنا من جانب الاقتدار والمواهب ومن جانب التدين، فنحن أمام رجل (كان شهما شجاعا، ذكيا، جيد السيرة، مدحه الشعراء)؛ هكذا قال ابن كثير عنه في تاريخه.



    ولو لم يكن كافور الإخشيدي حاكما مقتدرا بارزا في عصره لما قصده المتنبي في مصر، وكفى بهذا مكرمة، ولو لم يكن كافور من الفطنة والاقتدار في الحكم، لما مدحه المتنبي بأفضل شعره، فإن ما قاله المتنبي في كافور من مدح وثناء يتجاوز رونقا وجمالا ما قاله في غيره، فيا ليت شعري أنصدق المتنبي في ثنائه السابق أم في هجائه اللاحق؟



    وليس في عبودية كافور من عيب إذا علمنا أن يوسف - عليه السلام - وهو الكريم ابن الكريم قد ابتلاه الله بشؤمها، فبيع في مصر بثمن بخس دراهم معدودة، ثم يتحول بعد ذلك إلى الحاكم الفعلي في مصر، فإن لكافور الإخشيدي تجربة مشابهة في كسر حواجز العبودية وقبح المنظر، حتى اعتلى سدة الحكم في مصر، فقد بيع في مصر بثمانية عشر دينارا، وإذا ابتلي بالعبودية فإن الله قد امتن عليه بمواهب خارقة، تجعل من هذا العبد مقربا ومصطفى لدى السلطان محمد بن طغج، الذي اشتراه بذلك المبلغ الزهيد، حيث أعجب باقتداره وتمكنه، ثم جعله (أتابكا) حين ملك ولداه، ثم استطاع هذا العبد الحقير باقتدار وحكمة أن يستقل بالأمور في مصر بعد موتهما، وأصبحت له مملكة مستقلة ودعي له على المنابر المصرية والشامية والحجازية، وحكم مصر سنتين وثلاثة أشهر حتى توفي عام [357 ه].



    ولولا هجاء المتنبي لكانت شخصية كافور مثلا فريدا للطموح والتحدي، راق طرحها في دورات التنمية الذاتية؛ إذ كيف يتمكن عبد حقير - يباع بدنانير معدودة - من أن يصبح مقربا من الحاكم المصري، ثم يستطيع باقتدار أن يتولى زمام الأمور بعد موته، وليس هذا فحسب، بل كسب حب الناس، ورضاهم بعدله وإدارته الحكيمة، بل ويدعى له في الحرمين الشريفين والمنابر الإسلامية المشهورة.



    وإذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بابا دون الفتن الكبرى التي حلت بالأمة الإسلامية بعد موته، فقد كان كافور الإخشيدي - في زمن اخر - سدا وبابا منيعا دون فتنة الفاطميين، فقد كان الفاطميون الذين تمكنوا من حكم المغرب العربي يرون أن "كافور الإخشيدي" ذلك السد الذي يحول بينهم وبين الاستيلاء على مصر والحجاز، وقد باءت كل محاولاتهم التوسعية في مصر بالفشل، ولم يتمكنوا من الاستيلاء عليها إلا بعد أن تحققوا من موت كافور، بعد ذلك أرسل المعز الفاطمي إلى مصر جوهر الصقلي عام [358ه]؛ حيث مهد لسيطرة الفاطميين عليها.



    وكان كافور - إضافة إلى ما اشتهر به من شجاعة وعدل وشهامة - رجلا حليما، فحينما هجاه المتنبي كان في إمكانه وهو يحكم مصر والحجاز إذ ذاك - وله الكثير من الأعوان والأتباع والجواسيس - أن يرسل في أثره من يأتي به أو يقتله حيثما وجده، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك! ومن يدري لعل (كافورا) اكتفى بالدعاء على المتنبي؛ إذ قتل المتنبي شر قتلة في حياة كافور، وكان قتله بإيعاز من قبل عضد الدولة البويهي الحاكم الذي قصده المتنبي بعد كافور، حيث ورد في تاريخ ابن كثير: "أن عضد الدولة دس إليه من يسأله أيما أحسن عطايا، عضد الدولة بن بويه، أو عطايا سيف الدولة بن حمدان؟ فقال: هذه أجزل وفيها تكلف، وتلك أقل ولكنها عن طيب نفس من معطيها.... فذكر ذلك لعضد الدولة فتغيظ عليه، ودس عليه طائفة من الأعراب، فوقفوا له في أثناء الطريق وهو راجع إلى بغداد، ويقال: إنه كان قد هجا مقدمهم ابن فاتك الأسدي... فأوعز إليهم عضد الدولة أن يتعرضوا له فيقتلوه" [البداية والنهاية (11/273)].



    والان بعد معرفة كافور الإخشيدي عن قرب، هل يجوز لنا أن نكرر أبيات الهجاء في حاكم شهم عادل كما وصفته كتب التاريخ؟ هل نتغنى بأبيات المتنبي في رجل استطاع أن يحقق النجاح بطريقة غير عادية، ونحن نعلم أن المتنبي ومن معه من الزوار على الحكام لم يتمكنوا من الوصول إلى ما وصل إليه كافور؟ هل نهجو مسلما سنيا صد هجمات الفاطميين، وكان سدا دونهم على مدى ثلاث وعشرين سنة؟ (سنوات حكمه مضافا إليها تلك السنوات التي كان فيها أتابكا).



    لقد تناقض المتنبي بين مدحه وهجائه، ولا نريد أن نكون من الغاوين الذين ينكرون حقائق التاريخ، ويتبعون هجاء المتنبي، فالأقرب إلى الصواب ما قاله في مدحه؛ لأنه يوافق ما أسدته إلينا كتب التاريخ من سيرة عطرة وثناء حسن، فقد صدق حينما قال:

    ترعرع الملك الأستاذ مكتهلا
    قبل اكتهال أديبا قبل تأديب مجربا فهما من قبل تجربة
    مهذبا كرما من غير تهذيب حتى أصاب من الدنيا نهايتها
    وهمه في ابتداءات وتشبيب يدبر الملك من مصر إلى عدن
    إلى العراق فأرض الروم فالنوب يصرف الأمر فيها طين خاتمه
    ولو تطلس منه كل مكتوب إذا غزته أعاديه بمسألة
    فقد غزته بجيش غير مغلوب أو حاربته فما تنجو بتقدمة
    مما أراد ولا تنجو بتجبيب أضرت شجاعته أقصى كتائبه
    إلى الحمام فما موت بمرهوب



    لقد حظي المتنبي بالإكرام والعطاء عند كافور كما دلت على ذلك أبيات شعره، ولكن أطماع المتنبي ورغائبه في الوصول إلى ما لا يستحق جعلته يتنكر لكل ذلك

    التعديل الأخير تم بواسطة الحلم; 01-12-2015, 04:14 PM.
  • المريسي
    V - I - P
    • Nov 2014
    • 1896

    #2
    رد: كافور الا خشدي والمتنبي

    لقد قرأت ديوان المتنبي وكان هدفه الوحيد أن يعطيه سيف الدولة الحمداني إقطاعية له
    فلما فشل ذهب إلى كافور الإخشيدي بنفس الطلب فلم يجد بغيته فهجاه وهرب منه
    وسبب موت المتنبي أنهم تكاثروا عليه لقتله فاراد الهروب فقالوا له : ألست أنت القائل
    الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم - فقال : بلا أنا القائل
    وعاد وقاتلهم إلا أن قتلوه فهذا الشاعر الشجاع قتله بيت قصيد قاله والتزم به وتسبب بموته لأنهم أكثر منه

    هذا ما ذكر في ديوان المتنبي وشكرا للحلم على المعلومات القيمة

    تحياتي

    تعليق

    • الحلم
      مـراقـب عـام
      • Oct 2010
      • 13322

      #3
      رد: كافور الا خشدي والمتنبي

      أحسنت اخي المريسي

      في الاضافه الجميله وهذا يدل على حبك
      للأدب اتمنى اضافه من لديه حب للادب
      اسعدتني إضافتك
      ولك منى وافر الشكر والتقدير

      تعليق

      • ام رموسه
        V - I - P
        • Mar 2015
        • 3339
        • سابقى كالعطر الفت الانتباه دون ضجيج يعرفني الجميع وابقى رغم ذلك سرا

        #4
        رد: كافور الا خشيدي والمتنبي

        مشكور اخ الحلم موضوع راءع ويستحق التقييم
        ابو الطيب المنتبي من اكبر الشعراء عصره بل حتى الان وهجاءه لكافور
        لم يوف بعهده لذلك استحق ذلك الهجاء
        تحياتي لك

        تعليق

        • الحلم
          مـراقـب عـام
          • Oct 2010
          • 13322

          #5
          رد: كافور الا خشيدي والمتنبي

          شكرا ام رموسه على المرور

          أجمل تحيه لك

          تعليق

          google Ad Widget

          تقليص
          يعمل...