قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل ...ج2

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابراهيم امين مؤمن
    عـضـو
    • Aug 2019
    • 25

    قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل ...ج2

    فأجاب : سلوا أنفسكم .
    فنكست رأسي هنيهة ، وقلت في نفسي ..نحن الذين فتحنا لكم الباب فدخلتم وأعملتم فينا السيف.
    فاغتظت لحالنا واستجمعت قواي كلها وضربته ضربة صاعقة فافترش الأرض وسكن ولم يتحرك ، نظرت إلى عينيه فوجدتهما جاحظتين ، فعزمت على الهروب ، وعند فراري رأيت حتشبسوت تنزل من السقف.
    إذا كثرت الضباع ولت الأسود هاربة..
    خرج فطين مسرعا من ردهة الفندق ، مسرح القصاص ، وكان مترقبا خائفا.
    اتجه إلى منطقته التي تبعد نحو مئة كيلومتر من الفندق .
    ظل يجري حتى اتجه إلى أحد الشوارع السيناوية الرئيسة ، ثم أشار إلى إحدى سيارات الأجرة فوقف ، رمق السيارة وتفحصها بنظراته التي لا تخطئ أبدا ، فوجدها تعمل بطاقة الألواح الشمسية كمعظم السيارات آنذاك ، ولكن تقنية هذه السيارة متطورة أكثر، فتفحصها فتأكد له أن سائقها رجل آلي وأنها تعمل ببطارية هيدروجينية.
    وأن هذه السيارة من السيارات الأمنية والتي تعمل على تقديم كل الخدمات لنزلاء الفندق .
    فخاف أن تتعرف عليه من خلال رسالة وصلتها عن مواصفاته عبر حاسوبها فتقله آليا إلى أحد مراكز الشرطة.
    فامتزج الخوف بالحنق ، وتحوقل وأخذ يطلق اللعنات على التكنولوجيا التي تلاحقه وتذكره بخيبة العرب.
    وأخيرا..بعد كل هذا التفكير اعتذر عن الركوب ثم رمقها وهي تسير في مسارها المبرمج عليها .
    مرت سيارة أجرة أخرى سائقها يرتدي ثياب أهل الأنفاق والجحور فركبها ورحل .
    في السيارة ، بدأ يفكر في حادثة الفندق وتداعياتها الخطيرة على مستقبل ولده الذي لم يكن لديه إلا إياه ، تارة يلوم نفسه خشية ضياع مستقبل ولده فهمان وتارة يباركها على فعلها ويحفزها على الثبات والرجولة .
    وأنهى النزاع الذي يدور بخلده بين الملامة والمباركة بترك سيناء كلها والهروب بابنه بعيدا عن مسرح الانتقام الذي نفذه ، هذا الانتقام الذي ألقى بظلاله على صدره فجثم وعسكر فيه ليولد في مكنون نفسه الخوف والتشريد.
    دفع الأجرة ونزل متجها إلى منزله وهو يدعو نفسه للثبات ، فالزحام شديد فيها بسبب تهجيرين ، تهجير المصريين من مدنهم المكتظة إليها وذاك من أجل إفساح الطريق للطبقة الحاكمة وحاشيتها ، وتهجير الفلسطينيين من أرضها المحتلة وذاك لإفساح الطريق إلى الشعب اليهودي لاستيطانها.
    في كل مرة يتلمس موضع قدميه حتى لا تصيب أحد الحبين ، ويجد لأكتافه الفولاذية مسلكا حتى لا يصطدم بروحيه وحبيه .. المصري والفلسطيني .
    لكنه الساعة لن يكون حذرا إذ يتوجب عليه الإسراع إلى المنزل ليطمئن على فهمان ، ثم يأخذه ويهرب بعيدا عن أعين المخابرات الإسرائيلية والمصرية .
    ومن أجل أغنياء مصر وأصحاب النفوذ فيها لم يقصر النظام الحاكم في دعوة الناس للهجرة إلى القرى وخاصة الوادي الجديد ، مبررين لهم أنها منطقة ذات مساحة شاسعة وملآنة بالمياه الجوفية.
    وقد وصل حد العبث بالمطرودين المصريين إلى دعوتهم لحفر أنفاق تحت الأرض والإقامة فيها معللين ذلك بوفرة المياه ، مما أثار تهكم صحف المعارضة والأحزاب وكل تيارات الإسلام السياسي .
    وهذه بعض عبارات التهكم والسخرية على أحد فلول النظام الخائن عبارة تقول..
    أنحن نمل ونسكن الجحور! وعبارة ساخرة تقول ..أنحن مياه جوفية !
    وثالثة ..لعل الفقر والضعف هو الموت فوجب علينا أن نحيا أمواتا في القبور.
    ورابعة ..نحن لسنا أمواتا يا سيادة المسئول .
    وعالم نفس يقول..يريدون ممارسة الاستعلاء المعنوي والمادي معا ، حيث يودون السير فوق رءوسنا.
    وعنوان ساخر آخر في أحد الصحف..أحسن إلى جوارك من الجماحم أيها المسلم -... الخ.
    وكان الرئيس يواجه كل هذا بقطف رؤوس قادة المعارضة وتكميم أفواه تابعيهم
    ، فسياسة التصفية النفسية والجسدية هي منهجه ، أفلح في الإحاطة بالمجاهرين له بمناهضته ، أما سرا ، فهناك رجال مصلحون يعملون في صمت وخفية ، ولذلك لم يحط بأعمالهم ، ينتظرون لحظة الانقضاض لتخليص شعبهم من الظلم .
    إنه في ذاك الوقت كان ..المجلس العسكري العظيم .
    المهم ..انتهت معركة المعجنة وما إن وصل إلى مدخل العمارة حتى نادى عليه أحد الجيران واسمه بطرس يوحنا ، وكان يلح على فطين دائما كي يبيعه شقته ، فأخبره أن هناك من يسأل عليه نحو ساعة مضت.
    سأله فطين عن اسمه فقال له يبدو من سمته وشكله أنه يهودي.
    فشحب وجهه واصفر على الفور ، لم يلحظ بطرس ذلك ولذلك تابع كلامه قائلا..
    ألم يحن بعد ؟
    رد فطين..معك المال ؟
    قال في المحل.
    فرد عليه فطين..أحضره .
    أبصر فهمان أبيه من البلكونة فأسرع نحو الباب ليستقبله.
    بينما مضى بطرس مهرولا ملهوفا إلى محله لإحضار المال ، وفي طريق عودته إليه كان يهاتف أحد كبار القساوسة أنه على مشارف الانتهاء من شراء منزل في أحد ضواحي جنوب سيناء.فرد عليه بأن يشتري بأي سعر.
    نظر فهمان لوجه والده ، فلحظ في قسمات وجهه علامات الخوف فسأله فورا ..أين كنت أبت ؟ فلم يرد عليه فطين حيث أنه عزم على الرحيل الآن وبسرعة.
    رن جرس الباب ، فهم فهمان بفتحه لكن أباه أمسكه من رسغه قائلا ..انتظر.
    نظر من العين السحرية ، إنه بطرس ، فتح له الباب وأخذ المال وأغلقه في وجهه على الفور.
    ثم أخذ ابنه قائلا ..هيا نرحل ، فما عاد هذا المكان آمن بعد الآن.
    حدقه فهمان ولم ينبس بكلمة.
    أخذه فطين وآثر الرحيل من الشرفة ، ولقد رأى فطين المطبخ الخشبي المحترق فلم يبد اهتماما.
    ورغم أنه الليث الأشجع لم يخرج من الباب وقفز من شرفة الحجرة الخلفية ، وأخذ ابنه والمال الذي قبضه من بيع المنزل وكذلك عصاه وركب أول سيارة ومضى حيث لا يدري .
    رحل تاركا البيت الذي كان يمثل قطعة من جسده ، ففيه تزوج بالمرحومة زوجته التي كانت مثله في العلم والوطنية ، رحل عن مكان الذكريات الحلوة.
    في أول دقائق الرحيل لم ينتبه إلى ابنه ، وتذكر ماضيه مع زوجته وقولها له عندما قالت له ..فطين ، هذا المنزل أغلى من حياتي ، ففيه تزوجتك وفيه ولدت فهمان وفيه عشت ألذ أوقات عمري .
    ولما كانت في النزع الأخير قبل أن تفارق الحياة قالت له ..لا تبع المنزل ، اجعل كل خطوة خطوناها معا أملا في الوصول إلي ، وكل بسمة ومودة وأنسة عشناهم معا ذكرى أطلال جميلة قد تتحول إلى واقع ، كن وفيا لعل الله يجمع بيننا مرة ثانية في بعد آخر ، فقد تخترق يوما ثقبا أسود وتعبر فتصل إلى في بعدي الذي انتقلت إليه الآن ، لعله يا فطين أحد أبعاد نظرية الأوتار الفائقة الذي كنا نسميه معا بعد الأموات.
    ولا تفرط في كتبنا ، دعها كما هي ، كتب درسناها معا وتدارسناها لابد أن تكون قطعة من جسدك..ثم تذكر قولها..
    فطين ..لا تبع المنزل .
    فاغرورقت عيناه بجانب ولده الذي لحظه فبكى لبكائه.
    ضل الحلماء بين الخوف والفقر...
    في طريق الرحيل ..
    نظر فطين إلى ابنه وسأله عن شأن المطبخ المحترق.فأجابه بالتفصيل ، لكن فطين لم يسمع شيئا إذ طغى على كافة حواسه من جديد مشهد الفندق ووصية زوجته له بألا يبيع المنزل.
    كانت سيارة السائق متآكلة تنبح وتزأر ، على طول الطريق تقدم السيارة أعظم سمفونية رقص شرقي في التاريخ لأنها تسير تتمايل وتتبختر على عزف وطبل العفشة المتآكلة والأبواب التي تتصادم في مداخلها.
    فقال له السائق إلى أين؟ فلم يرد، فأعاد السائق السؤال..إلى أين ؟ قال..سر بنا بعيدا بعيدا ، فتعجب الرجل وقال أنا نفسي لا أدري أين أذهب منذ ولدت ، لكني أدرك أنه يتوجب علي دائما الهروب بعيدا بعيدا من مطاردة الفقر.
    فتاه فطين وتاه السائق في ظل لوحة درامية جمعت بين الخوف والفقر.
    فطين سكران فهو يخشى أن تأتيه الطعنة من بني وطنه أو حكومته ، والسائق سكران بسبب الفقر المدقع الذي توارثه من جهل بلده وحكامها.
    برعم حضارة ينمو في رحم الشرق...

google Ad Widget

تقليص
يعمل...