ليال بطول حرقتها

ظهيرة بلون وجعها

(قلنا ما بيرجع ، الي بيروح عمره ما يرجع) .. بعد ذلك الظهر القاتل في حرارته جلست مع أفكارها تتذكر تأكيدهن
انه لن يعود ... لماذا التأكيد؟! ؟؟؟ ... كانت ترغب بشدة أن تغرق في حلمها بعودته ذات يوم ،فكرت ... ملعونة
هذه الصحراء والبحر والتجارة والمال ... بكت ومسحت دمعتها بطرف السواد الذي تلبسه، تفكر ... (ليت بطني
ما جا بك، شفت الشقى من يوم ما نزلت وسمعت صراخك) ... وتعود وتستغفر ربها ... عجوز تقوس ظهرها مع
الزمن ومع حمد الذي يهوى العياب والسفر ... جاراتها تعودن على صمتها كلما انتصف النهار، وانطلاق هذيانها
كلما بردت حرارة الشمس ... كأنها مع الغروب تفقد قدرتها على تحمل وحدتها القاتلة.

جابر هو الوحيد الذي يشفق عليها من وحدتها ... يقترب منها ويحادثها ويتعجب من حسابها للأيام التي لم ترى
فيها ذلك الغائب ... (حبني ع الراس وعطاني فلوس ... والفلوص خلصت وهو ما رجع ... قال بيرجع يوم يحول
الحول، والحول حال، وحال غيره وغيره وحمد مارجع ) ... يسمعها جابر بذهول ... ويلعن ذلك الزمن في سره
... يضع ريالين في يدها ويمضي وتشيعه بنظرة ما تلبث أن تمحيها دمعة مالحة بدرجة جزعها.



غروب ... بلون أحزانها

وحده صوت الغربان الضارب في فراغ وحدته أخبرها أن هذا الغروب حل ... من كوتها تخرج وتتوسط صحن الدار ،
تطالع السماء بعينيها السليمة ... متجاهلة ومتناسية تلك الأخرى التي مع الزمن أصبحت خطا مشوها لا أكثر
.. تطالع ذلك اللون الئيب الذي يصبغ المدى بلونه المكفهر، وتفكر ... تفكر بذلك الليل الموحش الذي سيسدل
ستاره وبعد حين ( ياويلك من ربك يا حمد، عجوز وعورة ومن الدنيا مالي حد وتتركني ) المارة يسمعونها تتمتم
بها حروف لاتكون مفهومة، المفهوم فقط تراجعها واستغفارها وتأكيدها أن ذلك القلب راض عليه ... فيفهمون
أنها تقرع حمد الغائب ... من الخارج يأتيها صوت تلك الصبية التي تذكرها بين ساعات وأخرى ..(ادخلي العشاء
جاهز ) عبارات مكررة حفظتها عن ظهر قلب وتعرف أنها ستدخل ... ستضع صينية العشاء ... وتتمتم بكلمات
عن الحارة وأخبارها وستغادرها كما يغادرها الجميع ... من سيجلس معها، وهي عجوز عافها الزمن ... تعرف
ذلك في نفسها ... تشيع تلك الصبية بدعواتها وبنظرة حسرة ... (لو كنت هنا أنا خطبت لك هذه البنية وأفرح
قلبي بولادك) وتطلقها تنهيدة بطول صبرها ... وأطول ... وتفكر ... (كم حول مر ويمر وانت ما رجعت) وتشرق
بدمعها وتعاف زادها ... تنهض لتضع ذلك الرأس المثقل بهم الراحل والغائب ... عل النوم يرحمها ويأتي.



ليل بطول غيابه

النوم ثقيل عليها وهي ليست إلا جسد متكور على أغطية عافها الزمن ... ثقيل ... والنجوم تبرق فوق رأسها
وتتلحف سواده .. ثقيل .. والفلق والصمد تطرد أشباح خوفها .. لتترك مساحات الهدوء تنزل على روحها وتعرف
وتعرف أن ليلها موحش ... ونهارها حارق ... وإنه حرقة القلب كطفل لا يعرف ما يفعله وتعرف أنها شعرت بذلك
الإنقباض والحزن وأنها في الاخير ستغفو وتصبح لتقول لجارتها والله ما أعرف كيف سنت عيني ... ستفعل ذلك
ولا شك.


في سواد الليل مر جابر قرب جدارها ويستمع لها صوتا حزينا ... صوتا حنونا ... يناجي ربه ...(ياربي راضية عليه
راضية ... اللهم إني عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ...) ويخفت الصوت ... يلتصق جابر بالجدار أكثر، ليعود ذلك
الصوت من جديد مثقل بالزمن (ماض في حكمك .. عدل في قضائك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك)
ويعود الصوت ليغيب ويغيب وينهش القلق صدر جابر ... ترى هل نامت؟ ... ليبدد الصوت قلقه (أن تجعل القران
ربيع قلبي .. ونور صدري) يتحشرج الصوت ويعود ليكمل ( وجلاء حزني وذهاب همي) مازل قلقه يزداد، لماذا لم
تكمل الدعاء كما اعتادت؟ لماذا قطعته ؟ لماذا ؟ غادرها مثقلا بقلقه مخبرا نفسه أنه مع أول خيوط الفجر سيأتيها.

هي كانت تلك إغماضتها الأخيرة ... فلم يمر عليها فجر ... يحمل أملا كاذبا بعد ذلك اليوم ... ولم يذبحها الغروب
ولم يثقل ليل على صدرها ... ولم تعد تحسب كم مر على غيابه ... ومنذ متى أخذته الصحراء وابتلعته
 
رائع ياسيدي

حزنت عالام .. انهكها الانتظار ..
صحيح ..الصبر له حد
والانتظار متعب ,,,

سلمت يمناك ايها الحلم

دمت بود
 
عودة
أعلى