لن أفقد الامل

لن أفقد الأمل
تزوجته مرغمة أو هكذا بدا لي الأمر حينما لم يستشرني أحد في أمر زواجي .. فقد صمت أبي و نكس إخوتي رؤسهم باستسلام وأشاحت أمي بوجهها و دمعة حائرة تلوح في عينيها لم يكن ثمة ما يعيب العريس سوى أنه متزوج و أب لخمسة أطفال أكبرهم يصغرني بخمس سنوات فقط لا غير.
تزوجته تسبقني إليه أحلامي و بأنني سأكون ملكة متوجة في بيته تأمر فتطاع ، تطلب فيجاب طلبها بسرعة منقطعة النظير كانت توقعاتي أكبر من أحلامي و أكبر من الواقع الذي وجدت نفسي فيه .. تذكرت كلمات صديقتي و هي تقول : أنتي محظوظة ستتزوجين من رجل متزوج معنى هذا أنه سيقدرك حق قدرك وسيحبك و يدلعك كثيرًا .. أما أمي الحبيبه فقد قالت لي بانكسار : ستتزوجين رجلاً عاقلاً و ليس كهؤلاء الشباب الطائشين إنه هو الذي سيحافظ عليك و يحميك .. همست لي شقيقتي الكبرى وهي تغمز بعينيها : إن الرجل من هؤلاء يكون قد مل زوجته الأولى و كرهها فاجتهدي أنتي لتفوزي به قلباً وقالباً .. هززت رأسي بصمت و أسئلة حائرة تصرخ داخلي : جميعهم يشجعونني على الزواج به ولم أجد من بينهم من يشارك ضميري الرأي كيف أنتزعه من بين زوجته و أولاده وأبني بيتي على أنقاض بيتهم وسعادتهم ولماذا يكون هذا هو نصيبي ؟؟ لماذا أدع حياتي و مصيري بأيدي الاخرين يتلاعبون به وأنا واقفه أتفرج بمنتهى الذل والخضوع و الإستسلام..
بكيت ليلة زفافي وأنا أتذكر فيصل .. فيصل من تفتح عليه قلبي أول مرة .. من عشت و إياه عمراً لا ينتهي .. فيصل حبيب الماضي وأمل المستحيل .. امتلأت عيناي بالدموع وأنا أبتعد عن أجواء الزفاف بخيالي إلى فيصل .. عاد إلى ذاكرتي لقائي الأول معه بتفاصيله المدهشه .. كنت أعبر الشارع يوماً فظهر لي فيصل فجأه و كأن الأرض قد انشقت عنه بوجهه الشاحب و عينيه الذابلتين وابتسامته الساحرة المميزة ... تجاهلته وكأنه لم يكن و لكنه لم يدعني بسبيلي لا ليلقي على مسامعي كلمات الغزل كما اعتقدت بل شيئاً اخراً لم يطرأ على بالي وقتها .. قال لي و ضحكته الرنانة تشق الصمت من حولي : حذائك ممزق يا انسة لقد اختلط رباطه بكل القاذورات التي في الأرض .. احمر وجهي خجلاً وارتعشت أطرافي حتى كدت أسقط صريعة بين أقدامه .. لقد كنت أدرك أن حذائي ممزقاً و لكنني كنت عجلى لألحق بعمتي قبل أن تغادر إلى المستشفى ولم أهتم بأي حذاء سأخرج .. ولكن أن يجابهني هذا الفتى الأحمق بهذه الحقيقة وفي الشارع و بدون معرفة سابقة لقد أثار غيضي و حنقي فقلت له غير عابئة بشئ : لا شأن لك به ما دام حذائي لم يلوث منزلك و مضيت مسرعة دون أن أسمع رده ..

بعد أيام فوجئت باتصال غريب .. كان المتصل هو فيصل قال بصوته الساحر ذاته : بحثت عنك كثيراً حتى وجدتك يا صاحبة الحذاء الممزق .. ابتسمت في سري و قلت أتصنع الغضب : وماذا تريد ألم تكف تلك النصيحه؟؟ ترقرقت ضحكته الرنانة في أذني قبل أن يقول : ولكنك مضيت دون أن تسمعي بقية النصيحة... هتفت محاولة إنهاء المكالمة : إختصر من فضلك .. خيل لي أنه يبتسم ثم قال بهدوء : كنت أريد أن أخبرك بأنك رغم حذائك الممزق فأنت أجمل فتاة في الوجود..أغلقت سماعة الهاتف في وجهه و لكنه لم يعبء بصدي له فحاول الاتصال مرات و مراتٍ .. كنت أسبه فيها وأحقر من شأنه حتى جائتني همسته ذات يوم عبر أسلاك الهاتف : لماذا تعذبينني وأنا أحبك؟؟؟؟ صمت وقتها و لم أنطق بحرف أحسست أن كلمته تلك قد تسللت إلى وجداني لتحرقه بنيرانها و يمتد الحب بألسنته الحارقة كل عرق ينبض في جسدي وأضحيت نفسي أحبه فجأه و يغدو حبه كل عالمي ... كل حياتي... و كل ذرة هواء تعبق في أجوائي ..

مضى حبنا ينمو في قلوبنا نحيطه بكل السرية والكتمان حتى صارحني فيصل برغبته في الزواج مني ... ضحكت بسعاده و أنا أقول : لا تنسى أن الحذاء الممزق هو الذي جمعنا .. وتقدم فيصل لأبي خاطباً .. ولم يكتف أبي سامحه الله برفضه بل حقره و أهانه و عايره بأنه لا يزال طالباً يصرف والده عليه .. و طلب منه أن ينسى أنه تقدم لي خاطباً وألا يحلم بذلك أبداً.. وتقطعت حبال الاتصال بيني وبين فيصل إلى الأبد فقد ثأر لكرامته و قرر الإنسحاب و لم أجد طريقاً يجمعني به .. بكيت بحرارة وأنا أحاول دفن حب لا يزال ينبض داخل عروقي و مضت سنوات حاولت خلالها نسيان كل شئ ولكن الماضي يتفجر و يتدفق من أعماقي ليلة زفافي إلى زوجي و قد كنت أحلم بأن أنسى و أبدأ صفحة جديدة مع زوجي القادم .. تلاشت كل أحلامي حين رأيته ليلة الزفاف .. إنها المرة الأولى التي أراه فيها لم يكن شاباً كما خيل لي ولم يكن شيخاً طاعناً في السن كما توقعت صديقتي كان رجلاً في أواسط العمر .. الشعر الأبيض يكلل فوديه و يتخلل شاربه الكث تذكرت (فيصل) بوجهه الشاحب وعينيه الذابلتين وابتسامته الساخرة وشتان ما بين الوجهين ..

أشحت بوجهي ودمعة حائرة تلوح بعيني .. صدمتني كلمات زوجي التي قالها ليلة الزفاف لم يرجئ الأمر إلى أيام أخرى بل قال بهدوء يفرضه وقاره : لا تتوقعي مني أن أكون ملكاً لك دائماً فهناك زوجتي الأولى و أطفالي فهم بحاجه لي أكثر منك .. ماذا أقول هل صدمني ؟؟؟ هل تحطمت أحلامي على صخرة الواقع المرير ؟؟ هل كرهته ؟؟ نفرت منه؟؟ لا أدري ولكن كتلاً من الثلج تهاوت في أعماقي وسكنني البرود منذ أول يوم لي معه وتلاشت كل سحب السعادة التي تخيلتها في أحلامي .. صرخت به و لم يتعد عمر زواجنا أسبوعاً : أرجوك طلقني أنا لا أحبك و لن أحبك و لا تعتقد أنني سأحبك يوماً .. وطلقني لأتنفس عبير الحرية من جديد وأرتدي حذائي الممزق وأتلفت حولي باحثة عمن يسخر مني لا بد أن فيصل سيأتي ذات يوم وسيظهر فجأه في حياتي كما ظهر أول مرة ولن أفقد الأمل ..​
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى