قصة لحظات أخيرة

سوكرا

فـريق عمـل تطـوير المنتـدى

اتكأ ذلك الرجل الأشمط على عكازه بكلتا يديه ، توقف لدقيقة ، ثم . .
تحركت تجاعيده وأعلن ابتسامة لا تتغير منذ الصغر !
رغم أنها لا ترى ابتسامته التي كانت تعيد الحياة لعروقها . .
إلا أنها استغرقت مدة قصيرة لفهم ما يفعله بجانب الشجرة ، أطلقت ضحكة غلبت حزنيهما على حاليهما . .
وبدأ هو أيضا بالضحك دون سبب ، همست :
ـ أنت تعيد الذكريات !
جلس على الأرض وساعدها في الجلوس وقتئذ نظر إلى طفلين ، صديقان ، يشبهانهما ، أومأ برأسه :
ـ نعم أريد تلك الذكريات أن تحيا أمام ناظري الآن ، قبل وفاتي . .
كانت تلك العبارة تخيفها عندما كانا شابان ، أما الآن فبقت هادئة تماما .
توجه الطفلان إلى جانب الشجرة وهما للعب ، حدق إليهما :
ـ بجانب الشجرة طفلان يلعبان مع بعضهما . . أتذكرين أول مرة رأيتك بها هنا ؟
صافحتك ، وقمت باللعب معك حتى تعلقت بك ، كنت غائرا من صديقك ، كان جميلا وراقيا ورقيقا ، ويتعامل معك بهدوء .
ضحكت ووجهت غرتها الفضية خلف أذنها :
ـ كنت شرسا ومجنون .
أشاح بنظره :
ـ أكثر من مجنون عندما يتعلق الأمر بك ، كنت أنتظر إجازات نهاية الأسبوع لكي أراك ، وعندما لا أجدك
كنت أحرض عائلتي للعودة إلى المنزل وأكتئب بشدة طوال اليوم ، وعندما بلغت الثامنة عشر أصبحت أكثر اكتئابا عن طفولتي ، وكنت عندما أنتهي من الدراسة آت إلى هنا وأنقش على الشجرة !
ابتسم بعذوبة ، ثم أخذ يديها ووضعها على الشجرة ، حررتها من يديه وبدأت بقراءة ما كان يكتبه
اتجهت للقلب المرسوم تحت عباراته وهمست :
ـ اليوم هو يوم زواجنا ؟
أجاب :
ـ أجل ، اليوم !
رحل الطفلان وهما ممسكان لعبهما ، وقد تغير ما كان بجانب الشجرة إلى شابان ، نظر إليهما وهما يتأملان الشجرة ، وأردف :
ـ سأشاركك ما أرى ، الآن أتى شاب مع فتاة ، ويبدو لي بأن الشاب هو من أخبرها بالمكان . .
أومأت برأسها وابتسمت :
ـ أتقصد بأنهما يشبهاننا أيضا ؟
ابتسم :
ـ نعم إنهما كذلك ، ينظران إلينا ، يعلمان بأنهما سيشبهاننا يوما ، إن عينا الشاب سعيدة للغاية ، وتلتمع وكأنه سمع خبرا سعيدا ، ربما هي أيضا اعترفت بحبها . .
عندما توقف ضحكت وقالت :
ـ أحب خيالك !
ربت على العشب :
ـ لا أنا لا أتخيل إنني أقول ما أراه !
هزت رأسها :
ـ كلا ، إنك عجوز أوشك على الخرف ، من الطبيعي أن تتخيل وتتوهم ما لا يرى !
قطب جبينه وعقد حاجبيه :
ـ أتقولين بأنني لست بوعي الآن ؟
رفعت كتفيها :
ـ قال الطبيب بأن نسبة ذلك أكيد عندما كنت تفحص ضغطك بيوم أمس ، لا تنكر ذلك . .
أشاح بنظره وقد أغضبه كلامها ، ولكن بالمقابل لم يرد عليها بغضبه ، حاول أن يكون هادئا لأنه قدس يومهما بشدة ، نبس باحتدام :
ـ لا تغضبيني !
ـ أومأت برأسها وأغمضت عينيها للحظات ، تحسست الأرض ومن ثم وضعت رأسها على كتفه . .
ـ أتذكرين . . عندما كنت شابة ، كنت لا تقتربين من ذلك البئر خوفا من أن تسقطي
وضعت يديها على وجهها وأومأت :
ـ نعم كنت كذلك . . كنت أخاف الموت بشدة . . !
ضحك وقال :
ـ والآن ؟
هزت رأسها :
ـ أنتظره بشدة !
غرق بالضحك ، وقد شعر بالمتعة التي نسيها منذ أن انعمت عينيها الجميلة
لم يأخذ كلامها بمحمل الجد وقد استغرق بالتأمل والكلام . .
بينما هي بدوامة جديدة ، ثقل جسدها قليلا وقد احضتنها إليه ، وفي تلك اللحظة . .
ارتمى رأسها الشامخ الذي لم يسقط أبدا . .
وحين بدأ يمسح على شعرها ، شعر بنبضها الصامت..!
دفعها من كتفيها بشدة وأمسك بذراعيها النحيلين واسغرق بالنظر إلى ملامحها . .
أجهش بالبكاء واحضتن جثمانها في بكاء طويل . .
أغمض عينيه للحظة ، حين اشتم رائحة جديدة لم تقترب من أنفه من قبل . .
غمرته رياحا لم يشعرها من قبل ، اتبعها مغمض العينين !
وقتئذ كسته الطمأنينة ، وأدرك بأنهما توفيا معا .

 
عودة
أعلى