الجهل الأكبر

الجهل الأكبر
ملحوظتان قبل القراءة ...
1-إلى جل من يملك أمره ، آثر السلامة دائما ولا تعرض نفسك لاختيار مآله "أكون أو لا أكون".
2-النص جرئ جدا ، فحاذر أيها القارئ ان تؤوله تأويلا خاطئا.
النص
خرج حاكم المجرات من مخدعه متكدر المزاج كالعادة ، لكنه هذه المرة أصبح أشد كدرا ، فقرر الإفصاح اليوم ، اليوم فقط ،عما كان يضمره منذ عشرات السنين.
وسبب كدره وفراغ قلبه أولئك الذين يطيعونه فى مجراته ، فهم على فئتين ..فئة أسماها "السحابيون "وطاعاتهم له لم تكن عن حب وإجلال ، بل عن فطرة فطرهم عليها منذ ولادتهم .
والفئة الأخرى أطلق عليها إسم "الرعديون "وهم كثرة كاثرة ، وهؤلاء لم يكونوا أحسن حالا من الأولى بل أسوا بكثير لأنهم يطيعونه خشية بأسه وقوته.
لكنهم للأسف مفطرون على الكبر والخيلاء.
والحاكم يعلم جيدا أنه لولا قوته لشن الرعديون حروبا شعواء على فئة "السحابيون" حتى ينتهوا منهم ثم زحفوا بعد ذلك فى جميع أنحاء المجرات وأعلنوا أنفسهم أسيادا عليهم.
فقرر أن يضم إليهما فئة أطلق عليها إسم "الأرضيون"بعد أن علم سجاياهم وصفاتهم ، حيث أن منهم من سيطيعه حبا لا عن فطرة ولا كراهة وسلطان ، لكن للأسف أكثرهم سيعصاه ويسفك الدم.
واستكمالا لمشيئته سيظل جل من "السحابيون" و "الرعديون " على حالهما. أى فطرة الطاعة للأولى والوعيد العاجل للثانية حال عصيانهم له.

ومن أجل تنفيذ المخطط قرر إرسال"السحابيون " إليهم دون علم "الرعديون ".
وهو أمر طبعى من حاكم المجرات ، لأن "الرعديون" قلوبهم ملآنة بالكبر والحقد وذلك معزو إلى قدرتهم الخارقة على تطويع الأشياء.
قال لهم ..أريد "الأرضيون" يدخلون فى مملكتنا الفضائية الفاضلة لأزيل عن نفسي هما كتمته فى قلبي عشرات وعشرات السنين.
قال كبير "السحابيون".. سيدى الحاكم تتواتر الأخبار عنهم أنهم قوم فوضويون ، سفاكو دماء ، حاقدون ، وجل هذا فيهم رغم أنهم لا شئ ، حتى أفتك أسلحتهم التى صنعوها ليبيدوا بها بعضهم بعضا لا تؤثر فينا إذا ضربونا بها ، فهى مثل الدخان السارى فى الهواء بالنسبة لنا.
قال الحاكم ..هم ضعاف لكن بعضهم يمتلك قلوبا سيطيعونى بها عن رغبة وحب ، ثم تابع ..أريدهم هنا فى المملكة ، سأسيدهم عليكم وعلى "الرعديون" إذا قبلوا عرضى.
فامتثلوا جميعا لأن هذه فطرتهم .
ولقد شعر الرعديون بشئ مريب إزاء اللقاء الذى جمع بينه وبين "السحابيون".
وعندما وجدوا "الأرضيون" فى المملكة تأكدوا من صدق شعورهم ولكنهم آثروا الإنتظار عما سيسفر عنه اللقاء.
وأتوا بهم فى ساحة الملك ، فطرح عليهم العرض وخيرهم بين الأمرين ، الرفض أو القبول .
وقال لهم .. إذا رفضتم أرجعوكم السحابيون إلى أراضيكم بلا عقاب وتركتم وشأنكم ، وإذا قبلتم عشتم أسيادا علي جل من فى المملكة ، والجل سيذلل لكم من خلال قوتى التى لا تقهر .
ولكن بشرط ..أن تطيعونى بقلوبكم ، طاعة عن حب وإجلال.
وإن عصيتم طردتكم خارج المملكة وجعلتكم فى أغلال وقيود حتى تموتون.
فتداولوا فيما بينهم ، ثم قالوا .. ما أيسر طاعتك فى سبيل حصولنا على الملك ، وأى ملك ! إنه ملك على "السحابيون" و"الرعديون". هؤلاء وهؤلاء لو نفخوا فى أرضنا لأحرقوها.
وما أعسر عصيانك فى سبيل اتقاء أغلالك .
وللأسف جهلوا وتعجلوا ، فقد قرروا قبول العرض وعاهدوه على الطاعة ،
، فكان جهلهم أكبر من جهل ظلم وطغيان "الرعديون".
قبلوا رغم خوف بعضهم أن يتملص الحاكم من وعده !! .

وبمجرد قبولهم العرض قال للفئتين الأخريين ..
من الأن فصاعدا ..هؤلاء الأرضيون أسيادكم ، هم صفوتى ولقد فضلتهم عليكم ، فامتثلوا لهم طائعين .
فقال كبير "الرعديون" وكان أشدهم طاعة بسبب حبه للبقاء .. ألا تعلم أيها الحاكم أن هؤلاء "الأرضيون" لا شئ ؟ أنا أستطيع أن أبيدهم وأقضى عليهم قبل أن تقوم من مقامك هذا .
قال الحاكم ..كنت تستطيع .. كنت .. ، لكن اليوم قد جعلت بينك وبين "الأرضيون" حاجزا وحصنتهم من غطرستك وكبرياءك .. والأن .. أطعنى ولا تعصنى .
كن أنت وباقى عشيرتك من "الرعديون "طائعون لهم، عيشوا لهم خدما كما امتثل السحابيون لأمرى.
قال كبير الرعديون ثانية ..أنا سيدهم ولست عبدهم ، وسأنتقم منك على إستحقارك لنا ، ولذلك لن أجعلهم يطيعونك ، سأصرفهم عن ذلك ما دمت سيدتهم علينا نحن الرعديون.
رد الحاكم : وأنا قبلت التحدى وسأبقيك حيا حتى أري ماذا سيواجه الأرضيون إغوائك .


عاش الأرضيون فى المملكة لا يجوعون أبدا ، ولا يشقون ، ونجحوا نجاحا كبيرا فى طاعته عن حب.
وفى إنتظار وعده بالرضوان مدى الحياة فى المملكة.
وذات يوم تسلل كبير الرعديون إليهم فزين لهم عصيانه قائلا...
هذا الحاكم سينكص على عقبيه بعد أن يتملص من وعوده ، إذن.. على ماذا تكبتون شهواتكم !!
لماذا تحيون عبيدا له وكنتم أسيادا على أراضيكم ؟
إنسلخوا وعيشوا أحرارا كما كنتم ، إسفكوا دماء الضعفاء منكم ، وتمتعوا بفروج نسائكم وأدبار رجالكم ، وتبادلوا المتع معا .. هيا .. هيا .
فانسلخ منهم أكابرهم فنكصوا عهد الحاكم وقفزوا على الصغائر منهم والضعفاء فسفكوا دماءهم وسلبوا أموالهم واغتصبوا منهم النساء والرجال.
فنظر الحاكم إليهم غاضبا ، بينما كبير "الرعديون "وقومه يتراقصون فرحا.
ثم أمرهم جميعا بالهبوط إلى حيث كان "الأرضيون" يسكنون وحدد لهم مدة وكانت مئة يوم فضائى ، وسلط بعضهم على بعض.

ثم نظر إلى "السحابيون" وقال لأحدهم .. أنت أنت تقف أثرهم واكتب أعمالهم،
أكتب كل ما يعملون من طاعة لى أو معصية حتى لا أنسى...ثم نظر إلى آخر ..عليكم بأخذ أرواحهم عندما أأذن لك ، ..
وقال لآخر ..وأنت أنت عليك بإحضار "الأرضيون" كلهم جميعا لأحسابهم على أعمالهم بعد تمام المهمة.
ثم أمرهم جميعا بإحضار السلاسل والأغلال لمن أدبر وعصى .. ثم قال أما من وفى وأطاع فسأجعلهم يحيون فى المملكة.
وانتظروا جميعا وأنا معكم من المنتظرين.

ومر مئة يوم فضائى وحانت لحظة النهاية ، ولما هم بسلسلة وتقيد جل "الرعديون" تقريبا وأكثر "الأرضيون" إعترضوا قائلين..
لم تعذبنا وتكبلنا ؟ ألم تكن أنت من أوجدتنا وكلفتنا ؟
فقال طمعكم وجشعكم وجهلكم هم من ألقوا بكم فى العذاب عميانا، كان يجب عليكم ألا تقبلوا ، ولكنكم جهلتم وظننتم أن بكم قوة على طاعتى.
أنتم الأرضيون مارستم جل طرائق الطمع والجهل فتوحشتم وطغيتم قبل أن أعرض عليكم ، وتركتكم وحالكم تأكلون بعضكم بعضا وتشربون دماءكم بعضكم بعضا ، ولكن بعد أن قبلتم عرضى لم أدعكم وحالكم ، ولقد نسيتمونى واليوم أنساكم ،، ثم سيرهم عميانا يتخبطون فى أغلالهم.

إبراهيم أمين مؤمن
اسالكم الدعاء اخوتى بالتوفيق فى مسابقة كتارا للرواية العربية
27-8-2019
 
عودة
أعلى