قضبان الحرية

قضبان الحرية
أنا سلمى …
وجدنى رجل شحاذ على باب مسجد أصرخ من الجوع والعطش ،
فذهب بى إلى ملجأ وتركنى مودعا دامعا .
قال لى مدير الملجأ الذى أعيش فيه نقلا عن الشحاذ :
خذ هذا المولود يا “بيه”، إرعه واعتن به فإنى رجل لا أكاد أحمل نفسى.
فإنى أجوع أكثر مما أشبع.
وأتعرى أكثر مما أكتسى.
ولا أبيت إلا على جوانب الطرقات.
وها أنت ترى عاهتتى .
وولى بوجه ممتقع .
ولى يضرب كفيه ويغمغم بعبارات التوجع والتشرد.

نشأت فى الملجأ
الملجأ أرضه سلاسل فى الأقدام.
وسقفه أغلال فى الأعناق.
وهواؤه يحبس أنفاسى كأنما أصعد فى السماء.
وما كتم أنفاسى واختلجت فيه جوارحى وتململت فيه روحى أكثر من تردد سؤال يجلدنى فى كل ذرة من كيانى كله
لماذا رمانى أهلى ؟
وتأتينى الإجابة بدمع وصراخ حتى أسقط متضعضعة وكأن صرعنى شيطان.
وأتساءل..
هل أنا بشرمن طين غير طين آدم؟
لعلنى خلقت من رحم شيطان فطردت فى يباب العذابات؟
ويكأن نفسي عفت عنها الأرض والسماء.
هل لعنت بصرخة البراءة وعيناى لم تتفتح بعد ؟
ولم ألتقم ثدى أمى بعد .
تالله ما شممت من فمى رائحة اللبن ولا ذقته بلسانى.
يجب أن تكون الإجابة على كل سؤالاتى أن…………
أوجد كيانى الذى يمثل فخرى وفخر مجتمعى الذى آوانى ، فليس كل الناس رؤوس شياطين.
أكسررغام اليأس والتشاؤم وأعلو راية الأمل والتفاؤل.
لابد أن يكون اسمى أنا هو “بسمة وأمل وطموح وإنتصار”.
وحضارة تنبعث من نفسى إلى مجتمعى مزدهرة ، هذا هو إسمى.
أعيش بخلق واسع.
وأتعلم العلم النافع.
وأدعو من معى أن غدهن زواج وإنجاب فى وطن يحتضنهن.
كما احتضنهن فى هذا الملجأ .

رشدت رشد أولى الألباب وأنا فى العشرين.
أوتيت الرشد صبية ، فرغم الضربات المتتابعة إلا أن راية الإنتصار كانت غالبة علية.
وخرجت من الملجأ إلى المجتمع .
فضاء فسيح به الحرية والأمل ومرتع الطموح والنجاح والإنطلاق .
أريد الأسرة الطيبة التى تمثل لبنة أبنيها فى صرح حضارتنا المتهالكة أو بذرة أنثرها فى أرضنا البورالقاحلة.
أريد إنجاب أولاد يكونون براعم صالحين .
أرعاهم وترعاهم رعاتهم من حكام ومسئولين.
وقابلت الحلم .
ثروت.
تبدو عليه وسامة الخلق والحكمة ورجاحة العقل وأصل الدين.
..تبادلنا الحديث بعد لقاءات عديدة.
فكان نعم الإنسان والحبيب والأهل وقال لى إنى كذلك له.
وجاءت اللحظة الفارقة وسألته عن نفسي فقلت
أتعرف من أنا ؟
فقال لى أنت قلبى الذى حيا بعد الموات.
و عمرى الذى أتى بعد الفوات.
ودمى الذى جرى بعد الثبات.
ومائى الذى أنهر بعد النفاد.
وسماء أستظل بها.
وأرض تقلنى من الإنهيار.
وفضاء أسبح فيه طائرا كفراشات الأزهار،أستنشق الرحيق والعطر وأتمتع بالجنان .
وعمرى الذى مضى ومستقبلى الآت .
فأدهشتنى عجلته ولم يمهلن الرد وتركنى ثم عاد ليقل..
مفاجأة سلمى مفاجأة حبيبتى.
أبى وأمى وافقا على الزواج .
وأعلمك أن أبى من الأثرياء و من ذوى القوة والسلطان .
وإسمه ثروة ، كما جدى إسمه ثروات.
فهلا قابلت والدانك
أريد أن أرى قبس هذا النور الربانى الأخاذ.
أين هما؟؟؟
فتكلمت دموعى وخير الكلام كلام الدموع الساخنة.
وتكلمت قطراتها لتقول يا ليت اسمك فقر وأبوك اسمه فقرين.
ورويت له قصتى ودموعى تنهمر ، لو انهمرت على حجر للان .
فامتعض وقطب جبينه.
ورفع رأسه مستنكفا.
وفغر فاه وأطلق قذيفته العمياء الحمقاء.
قذيفة الغاب.
آفة القرن وكل القرون.
هى التقاليد التى يسبحون بحمدها ليل نهار.
تقاليد توارثها الأبناء عن الأجداد .
التقاليد التى جسدناها تماثيل فى نفوسنا فذلت لها الأعناق ، كل الأعناق.
وكنت أنا سلمى قربان من القرابين التى ترضى تماثيلهم.
وياويل أمثالى من هؤلاء المكفوفى البصر والبصيرة.
وقذيفته قوله
“آه يا بنت الملاجئ يا حمقاء يا أهل السوابق إمضى إلى بنات الشوارع
أنا أنا أنا وأنت أنت أنت أنا ابن الناس وأنت بنت الملاجئ .
إنى من عائلات أصل وثروات، وأنت ما وجدتيهم إلا عدما يا بنت العدم والزوانى.

عدوت من أمامه صارخة باكية أرى من حولى… من حولى يحبون
الجمال وإن كان زائفا.
والمظاهر ولو كانت كاذبة.
والمناصب ولو كانت طاغية.
والعائلات ولو كانوا جبابرة.
والأبنية العالية ولو كانت هاوية .
كانت حياتهم كلها “هذا “
تعبد كل هذا فأصبح “هذا” أصناما تعبد وتحكم وتشرع وتحدد مصائرهم.
ألتهمتنى تماثلهم.
وستظل تلتهم إن لم تستيقظ ضمائرنا.
أو تستيقظ ضمائر رعاتنا ومسئولينا.
نسوا أن الله الذى خلق سلمى بنت الملاجئ ، هو من خلق الأميرة.
وأن الرحم واحد والإطعام واحد من ثدى واحد .
والدم واحد ، كما أن الشمس تشرق للكل لا تفرق بين الأميرة والذليلة.
مازلت أعدو عدو الفارين وكأن أشباح تعدو خلفى.
أهرب بعيدا بعيدا أنتظر محطة أقف فيها وما أجد .حيث كل ما أراه فى سابلتى
أشباح الإنسانية.
وظلام النفوس السادية.
وضحكات السخرية ذات الأصوات الساخرة الفاترة المتأففة.
وحضارات من خيوط العنكبوت تسكن الحدائق قبل اليباب.
وسمعت أقبح عواء.
وفزعت من زمرة أسود ملكية.
وتصافت الأفاعى لتفح فى فمى سما ناقعا.
وفجأة وجدت نفسى بين ذئاب بشرية.
فاغتصبونى واحدا واحدا ثم ضربونى وأطلقونى ولا غياث يغيث.
أطلقونى بجسد عار وملابس ممزقة.
وما جرأهم إلا أننى لم يكن لى درعا أو حمى أو ظهرا .
ظللت أسير زاحفة من الإعياء حتى بلغت الملجأ.
قابلنى المدير فزعا وقال ..مالك يا سلمى ؟
فأجبته قائلة ” ألان علمت لم رمانى أهلى “
الأن آمنت أن الفقراء يعيشون أموات ، وأن الضعفاء يعيشون أرقاء ، وأن الحق يتزى بألف وجه ، وأن العدل لا يخرج إلا من أفواه ذوى القوة والسلطان.
وأن الميزان المقلوب لديهم هو الميزان القسطاس.
وأشرت له أن يحملنى بالداخل.
ولا أدرى أأشير له أن يحمل سلمى أم يحمل سلميين أو ثلاث سلميات.
لعلهن الأن يتبلورن فى بطنى ، بطن الظليم والمظلومة.
بطون شوادن الغزلان التى لم تبلغ الحلم وإنما بلغت حلوق الذئاب.
أشرت إلى حجرتى القديمة.
لأنتظر لعل شيطان من الجآن يحنو فيحملنى لأنبت مرة أخرى.
إمضاء .. سلمى بنت الملاجئ

بقلمى .. ابراهيم امين مؤمن
 
قصة مؤثرة جدا
حقيقة وواقع يعاش ويعاد آلاف المرات
كل يوم وكل ساعة
سلمت أخي وسلم نبض القلم الراقي
لا عدمنا حضورك
أرق التحايا
 
قصة تبكي لها العين ويدمي لها القلب ..
ولعلها قصة من الف قصة في واقعنا المؤلم ....

نسال الله الرضا في القضاء واللطف فيه
شكرا لقلمك
تحياتي مزون ..)
 
عودة
أعلى