دع الضحك وابدأ الحياة

دع الضحك وابدأ الحياة

8555b640c4-1.jpg


ربما تكتفي بقراءة العنوان لتلخص فيه مرادي وتتخذ قرارك بمواصلة الضحك ..اضحك ساخرا مني ، اضحك معاندا لي ، مصدقا لمن أقنعوك أن من يحاولون إيقاف ضحكك هم أعداء السعادة والمرح ، أعداء الفرح والضحك !!
اضحك من أعماق قلبك كما تشاء يا بني ، لكن أرجوك امنحني فرصة أهمس في أذنك بكلماتي هذي ، اسمعها للنهاية ثم اضحك يا بني بعدها إن شئت أن تضحك ، أو باﻷصح إن استطعت أن تضحك.

بداية دعني أعرفك بما أعنيه بمصطلح الضحك ..أنا لا أعني ذاك الصوت الخارج من حنجرتك الذي يحيل لون وجهك للأحمر وينفض جسدك كما لو صعقته الكهرباء ويجري دمع عينيك ..لكني أعني بضحكك فلسفة حياتك ، التي جعلت من الضحك فيها رسالة وهدفا ودافعا ووسيلة ، تنفق المال لتضحك ، تهجر اﻷهل لتضحك ، تترك العلم لتضحك ، تبحث عن البيئة التي تطلق فيها ضحكاتك ، وتنتعش أكثر وأكثر مع الظروف التي تعلو فيها هذه الضحكات .
إنني أتحدث عن مستنقع السخف الذي غاصت فيه أقدامك ، وتاهت فيه أحلامك وسقطت فيه مقومات قوتك وأعمدة مستقبلك ..
أرجوك يا بني .. حرر نفسك قليلا من هذا المستنقع أبطل مفعول الضحك لتفهم قولي .. فلم يعد وضعك يحتمل الصمت ..

انظر كيف يتوجه لك العالم كله بخططه وتقنياته وبرامجه ووسائله وأمواله لتظل ضاحكا غافلا لاهيا ..ثم يتجاهلك جريحا طريدا شريدا مقهورا ضائعا !!
يا بني ..ألم تدرك بعد أن العالم ينقل صور اﻷطفال والنساء والشيوخ في معرض زيفه وكذبه ، وهم يسقطون ضحية مكره ونتيجه تآمره .. وأنت ..أنت ..أيها الشاب لا يلتفتون لك حتى في سياق مشاعرهم الكاذبة .. مع أنك أكثر من يصطلي بويلات الحروب ويتألم من ضياع اﻷوطان ..أكثر من يدرك معنى القهر ..تموت من سم القهر والهوان أكثر مما يموت البقية جوعا وقتلا وخوفا ..
إن ألمك أنت يفوق ألم اﻷطفال الذين فقدوا أطرافهم ..ألمهم لحظي لكن ألمك أعمق .. إن قهرك أنت يفوق قهر الفتيات اللاتي انتهكت أعراضهن ..قهرهن ضعف وقهرك هوان وذلة .. إن خوفك أنت يفوق خوف الشيوخ الذين ضاعت أوطانهم وهدمت بيوتهم ..أتعلم لماذا ؟ إنهم يوشكون على فراقها فقد شارفت أعمارهم على الانتهاء وما انقضى من ماضيهم أكثر بكثير من مستقبل قليل ينتظرهم لا يستحق عناء التفكير به فضلا عن بنائه.. أما أنت .. فتفقد مستقبلك وموطنك وبيتك الذي يحتضن أحلامك ويؤوي كرامتك ..
أيها الشاب .. باختصار ..أنت صفر بالمئة في ميزان اﻹنسانية ..صفر في إحراز التعاطف العالمي لن تحظى حتى ببيت شعر ولا أغنية تبكي حالك رغم أنك اﻷكثر ألما .

في المقابل .. أنت اﻷعلى أملا .. واﻷكثر مسؤولية ..عليك تقع مسؤولية المقاومة والدفاع والإسعاف .. لا يرحمك العالم عندما تصاب ، عندما تجوع ، عندما تخاف .. ولا يرحمونك بل ولا ترحم نفسك عندما لا تتجاهل جراحك لتضمد جرح شيخ ، ولا تكف اللقمة عن فيك وأنت جائع لتطعم بها طفلا ، ولا تتمرد على خوفك لتنتزع امرأة من رهبة المخاوف .
يقدمك أهلك لمواجهة المحن ولا يمكن أن يستعيضوا عنك بغيرك من النساء واﻷطفال والشيوخ ، ويحرص كل الحرص أعداؤك على تحييدك ومنعك من تقدم الصفوف .. نعم أعداؤك .. أولئك الذين رعوك منذ نعومة أظفارك لتنشأ ضاحكا وتظل ضاحكا وتموت ضاحكا ، وصرفوا لذلك أموالهم وجهودهم المنظمة .
باختصار يا بني ..أنت تحتل اهتمام أعدائك بنسبة 100 بالمئة ، تحتل آمال أهلك بنسبة 100 مائة .

بالله عليك .. مالذي يضحك يا بني في عالم هذا حاله .. وأنت في موقع هذا وصفه وعلى عاتقك هم هذا حجمه !!
ربما ﻷنك لا زلت آمنا في بلدك ، ربما لم تر بعد أخواتك يغتصبن ويؤذين ، ربما لم تشهد موت أخيك الصغير جوعا ، لم تشهد بكاء أبيك قهرا ..
لقد غطى صوت ضحكاتكم على وقع أقدام أعدائنا حتى وصلوا لقعر بيوتنا.. افهم يا بني .. فما أسهل إفهامك في عصر يسوق لك الشواهد .
وإن اخترت أن تستمر في ضحكك ، فدعني أقطع ضحكاتك بحقيقة لن تختلف معي عليها .. فلا زالت سنة الموت تتحقق فيكم ..تخطف أمانيكم ..تباغت أمنكم ..خبرني عن بلد .. عن زمن .. عن ظروف ؛ تغلب فيها الشباب على سنة الموت !!
ألم يخطفكم بالسيارات ..باﻹيدز ..بالسرطان.. ألم يصرعكم قتلا وفتنة وتهورا !!

دعك ممن يريدونك أن تحيا ضاحكا وأنت تتوقع ما يبكيك في أي لحظة ولا تملك معرفته ولا تجنبه ولا تقوى على مواجهته .. مجهول لك موعده ووسيلته ..
بل دعك منا يا بني ..فنحن للأسف نشارك أعداءك في الجناية عليك ..دعك منا آباء وأمهات لم يوقظوك للصلاة .. لم يمنعوك من المحرمات .. لم يهيئوك للثبات .
دعك منا مجتمعا لا يلتفت إليك إلا وأنت ضاحك ، ويتجاهلك مبدعا تقيا صالحا ، ينطرح بين يديك جمهورا ليذكي سخفك ويؤجج ضحكك ويروج له ويشجعك على مواصلة الضحك .. وينفض عنك كلما استجمعت عقلك وقلصت ضحكك…
دعك منا وزارة تعليم تتخبط ـ على افتراض حسن النية فيها ـ لتنمي سخافتك ، وتحمي عقلك وقلبك مما ينغص عليك ضحكك ، وتمنحك من الهشاشة والفراغ ما تستثمر فيه مواهبك في الضحك .
دعك منا وزارة شؤون إسلامية غاصت في بيروقراطيتها ، وغرقت في هواجسها حتى قللت من فرص جذبك للخير وانتشالك من السخف .
دعك منا ..فأنت تضحك ونحن نفكر فيك كيف نزيدك ضحكا ..حتى قادنا تفكيرنا لنرفهك بالسينما والحفلات الغنائية ..وترقب المزيد منا يا بني ..فضحكك غايتنا ..
دعك منا ..فقد بلغت الهشاشة عمق المؤسسات الدعوية وصار من أهدافها إضحاكك بقالب شرعي حتى لا يقال عنها أنها قصرت في إضحاكك .
دعك منا فقد كست قشور الدعوة لب السخف بمسمى اﻷنشطة الدعوية والبرامج اﻹعلامية المحسوبة عليها .
دعك منا بني .. فنحن نحسن التسلط على من يؤثر فيك ويوشك أن يوقظك ..نشغله بالنقد ..بالتجريم .. نغلق عليه اﻷبواب ولا نتيح له الفرص .. ننافسه عليك .. وننتصرعليه بإضحاكك .
ثم في أحسن أحوالنا يا بني ..نعظ بموتك اﻵخرين وكم قصرنا في وعظك وأنت حي.

يا بني .. إننا مؤاخذون على تقصيرنا فيك ..لكن مؤاخذة الله لنا لن ترفع عنك المؤاخذة .
لن ندفع عنك من عذاب الله شيء إن حل عليك في دنياك أو في آخرتك .. نشاركك العقوبة دون أن نخففها عنك .
ستتجرع معنا بل أكثر منا سم تسلط اﻷعداء لا سمح الله ، وستواجه ربك كما سنواجهه نحن .
يا بني ..إن لم يخبروك عن لذة اﻹيمان التي تجد فيها ما يوقظك من اللهث وراء المضحكات ..فابحث عنها في سجدة لله ، في طوافك حول الكعبة ..جرب أن تنتظر موعدا يتكرر كل ليلة وترقب نزول ربك للسماء الدنيا وناجه .. وقل يا رب اهدني إليك فقد أضلني الناس .. جرب.. فثم عالم لو ولجته .. لندمت على كل موعد فوته .

يا بني.. ابحث عن الرحمة والاهتمام والصدق في سيرة رجل اشتاق ليراك ، حرموك أن تعيش أجمل لحظات حياتك في مدرسته ، اذهب أنت يا بني وقلب سيرته ، فلن تجد من يفهمك غيره .. ويصدقك غيره .. وينقذك غيره .
اقرأ عنه وعش في رياض سيرته ، ستجده معك في كل منعطف في حياتك يهديك رشدا أن تهت ، ويمنحك عزاء إن حزنت ، ستجده في يوم قريب آت لا محاله ينتظرك عند الصراط المستقيم .. احرص يا بني على أن تلقاه في الجنة صلى الله عليه وسلم .
يا بني .. توقف عن الضحك فصوتك داعيا لربك تاليا لكتابه متمتما بذكره أعذب لك ولمن حولك من الضحك .. توقف عن بحثك وجريك واجتهادك في طلب المضحكات فهمة العلم وحماية اﻷوطان ومكافحة الفساد وإصلاح للمجتمع أولى بك وأنت أولى بها .

أخيرا .. أريد أن أخبرك بمهمة أخرى عظيمة .. أنت لست فقط من يستطيع حماية الأوطان ودحر اﻷعداء وانقاذ نفسك في الاخرة ..بل أنت الوحيد الذي يستطيع إيقاف ضحك من حولك من الشباب ..صوتنا ليس مسموعا لهم كصوتك أنت ..
أرجوك يا بني خذ موقعك.. ودع الضحك. .وابدأ الحياة .


منقول للفائدة حفظكم الله
 
عودة
أعلى