قضايا تهم المرأه

شمس الشتا

Well-known member


خباب بن مروان الحمد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى اله أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم أما بعد:

فهذا عرض يسير لبعض القضايا التي يحصل اللبس في فهمها من الرجل أو المرأة على السواء ، والتي تحتاج لتوضيح ، ودفع الفهم الخاطئ لها، حاولت الاختصار في عرضها ونقاشها ، لتكون سهلة المنال ، ميسرة للفهم ، واضحة المعنى ، سائلا ربي التوفيق والسداد ، وإليه الاستناد ، وعليه الاعتماد.

* هل المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟
والجواب عن ذلك : أن المرأة مساوية للرجل في الإنسانية وفي أغلب تكاليف الإسلام وفي جزاء الاخرة كما قال تعالى:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}وكذا في الموالاة والتناصر؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :(النساء شقائق الرجال)أخرجه أحمد(6/256)وأبوداود في الطهارة(236) من حديث عائشة، وصححه الألباني في الصحيحة(2863). ولكن الإسلام مع ذلك نظر في طبيعة المرأة ومدى تحملها لبعض العبادات وصعوبتها كالجهاد في سبيل الله، أو لعدم ملاءمتها للمرأة كملابس الإحرام، فأسقطها عنها. ومن ذلك عدم جواز تولية المرأة للمناصب العامة كالخلافة والقضاء ؛ لذا يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وأما ما يورده بعضهم أن الإسلام ظلم المرأة في إعطاء الذكر من الميراث ضعفيها ، فإنه يقال لهؤلاء: مادام أنه تعالى قد شرع ذلك فينبغي على العبد المسلم أن يستسلم لشرعه ولا يعترض عليه كما قال تعالى:(ويسلموا تسليما) ثم إن الله مادام قد خلقنا فلا اعتراض عليه لقوله تعالى (لا يسئل عما يفعل وهم يسألون)وقد قال تعالى:(ألا له الخلق والأمر)فما دام الشرع من عنده تعالى فينبغي على عبيده الاستسلام والخضوع لأمره، ويقال كذلك : إن الشريعة الإسلامية لم تعط المرأة أقل من الرجل في جميع المورايث ، فإنه في العصبات قد تستحق المرأة نصف الميراث أو أكثر ، فليست المواريث مطردة في إعطاء المرأة أقل من الرجل ، ومما يجاب على ذلك بأن الشريعة فرضت للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لأن الرجل هو القوام على المرأة ، والمتولي شؤونها فيما تحتاجه، فالقضية ليست للتفضيل الذي لا يستند إلى حكمة من ورائه بقدر ما هي للفرق بين المسؤوليات.

ولقد بان حقا أن المرأة لو بلغت ما بلغت من العلم والثروة الفكرية ، أو المخزون المعلوماتي ، فللفطرة التي ركبها الله فيها جعلتها تطلب الفوارق عن الرجال في معاملة الإدارات لها ؛ فالمرأة في الغرب تجد روح المساواة في العمل ، ولكنهن يطالبن بإجازات وضع الحمل ، ورعاية أطفالهن ، فأين إذا دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مجال العمل؟!
إن المرأة خلقت من نفس واحدة ، إذ كان وجودها الأول مستندا لوجود ادم عليه الصلاة والسلام وقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك فقال: { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها}(الزمر:6).
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه، وجاء الشرع الكريم المنزل من عند الله ليعمل به في أرضه، بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي، فجعل الرجل قواما عليها ، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها، كما قال تعالى:{ الرجال قوامون على النساء} (النساء:34).
فمحاولة مساواة المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة غير متحققة؛ لأن الفوارق بين النوعين كونا وقدرا أولا، وشرعا منزلا ثانيا، تمنع من ذلك منعا باتا ، ولهذا يقول تعالى في محكم التنزيل :{وللرجال عليهن درجة} يعني في الحقوق الزوجية ولوضوح الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالاخر. ولا شك أن سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالاخر لتحطيم هذه الفوارق الفطرية والشرعية التي لا يمكن أن تتحطم.
كما نص القران على أن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، في قوله تعالى: { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان...} (البقرة:82)، فالله الذي خلقهما لا شك أنه أعلم بحقيقتهما، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة.
قال تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله..} (النساء:32)(وانظر بتوسع:أضواء البيان للشنقيطي5/169)
ومن جميل ما أختم به هذه القضية ما قاله الأديب مصطفى صادق الرافعي رحمه الله للمرأة المسلمة:(احذري تهوس الأوربية في طلب المساواة بالرجل ، لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاق ، ولكن الحلاق لم يجد اللحية!) وحي القلم(1/264)

* هل النساء ناقصات عقل ودين ؟
قبل البدء بمناقشة هذه القضية يحسن عرض حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الموضوع ذاته ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار ، فقالت امرأة جزلة منهن: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ فقال: تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن . قالت: يا رسول الله ! وما نقصان العقل والدين؟قال: أما نقصان العقل ؛ فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي ، وتفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين).
[معنى الجزلة:أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتكفرن العشير: أي تنكرن فضله]

وقد اختلف كثير من المعاصرين خصوصا حيال توضيح نقص العقل والدين ، وكان منهم من خضع للروح الغربية ، فسرت في نفسه مظاهر الهزيمة الداخلية ، وبدأ يفسر الحديث على حسب ما يفهم ، من خلال الروح الانهزامية الدخيلة ، وبعضهم ادعى زورا على رسول الله بأن مقصده من ذلك الممازحة للنساء اللواتي كان يمازحهن في حديثه هذا ، فكان ذلك من قبيل المباسطة والمداعبة لهن ليس إلا ! وهذا زعم غير لائق في حقه عليه الصلاة والسلام وهو في مقام التبليغ والنصح للأمة.
أما الذين هداهم الله ووفقهم لذكر الصواب في هذه القضية فهم السواد الأعظم ولله الحمد من أهل العلم، وقد كانت تفسيراتهم موافقة لمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيراده لهذا الحديث، أما من حاول المناكفة والجدل في ذلك على غير الفهم الصحيح ، وبخاصة من النساء المتحررات من ربقة العبودية لله ، فيحلو لي أن أذكر قصة حدثت قبل فترة في مجلس حاشد جمع أكابر أهل العلم والثقافة ؛ حيث إن الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله كان في أحد المؤتمرات يحاضر حول بعض قضايا الإسلام ، وبعد أن انتهى من ذلك ، قامت امرأة معترضة عليه وقد كانت تحمل شهادة عالية في أحد التخصصات النادرة ، حيث قالت: أوضح لي يا سيدي كيف قال الرسول:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين..) وأنت ترى بأم عينيك إلى المستويات التي وصلنا لها من التخصصات الصعبة والنادرة ، وسنصل فيما بعد إلى أعلى من ذلك ، فأجابها الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله :صدقت ! لكن حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ما رأيت من ناقصات عقل ودين) كان بخطابه ذاك يقصد نساء الصحابة أما أنت وأمثالك ؛ فلا عقل ولا دين!!

أما عن تفسيرات العلماء لهذا النص النبوي فقد جاءت على عدة معان مختلفة ، واختلافها من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، ومن ذلك:
1 أنه عليه الصلاة والسلام بين في الحديث أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها ، وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى أو تزيد في الشهادة ، ولهذا قال تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) والضلال هنا فسره أهل العلم بأنه النسيان ، والمرأة معروفة بطبيعة الحال بأنها في التفكير والإبداع قد تكون أقوى من الرجل لأنها تستغل التفكير بالعقل الأيمن المتجه للإبداع والمهارات الابتكارية ، ولكنها في الحفظ واستذكار المعلومات فهي قليلة الضبط لها ، وأكثر نسيانا من الرجل ؛ وذلك لطبيعة الفطرة التي ركبها الله فيها، ولذا قال تعالى :( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).وأما سبب نقصان دينها فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم، ولا تقضي الصلاة (فهذا من نقصان الدين). ومما ينبغي التنبيه إليه أن المرأة غير مؤاخذة على هذا النقصان ؛ لأن ذلك أمر كتبه الله على بنات ادم ، وفطرهن عليه ، رفقا بهن وتيسيرا لأمرهن .
2 وقال بعضهم إن مما يفهم من هذا الحديث أن تكون المرأة ، بطبيعتها الأنثوية أنقص عقلا من زوجها ، لتستطيع أن تخلب لبه ، وقد جاء في حديث اخر:(ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) ولذا فقد تفعل المرأة بعض الأشياء ، لتحبب زوجها فيها من حسن تبعلها له ، وحسن تدللها، لينجذب لها ، ويميل لحبها ، وقد وصف العرب النساء بهذه الخاصية فقال شاعرهم:
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا
لهذا فالمرأة طبعها الله على ذلك لتؤدي دورها في الحياة الزوجية ، كما أن الرجل جبله الله على الخشونة والقيام بأمور زوجه ، لتتعادل الحياة الزوجية ما بين الخشونة والنعومة ، ويؤدي كل من الزوجين دوره تجاه الاخر، لهذا كانت المرأة تحب الزينة والتجمل والحلي ، ومن كانت هذه غالب اهتماماته الدنيوية ، فإنه سيكون عقله منشغلا بها عن غيرها من الاهتمامات الأخرى، للتصدر للناس في الدعوة والتربية والتعليم ؛ ومما يدل على ذلك قوله تعالى :(أومن ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) فطبيعة من نشأ في الجو المخملي والمترف ، ومن يبحث عن الأزياء و(الموضة)وأدوات التجميل ،أن يكون أكثر تفكيره وطلبه متجها لذاك الشيء ، ولا يعير اهتماما لهموم أخرى إلا ما رحم الله ، وإن كان قد ذكر التأريخ الإسلامي قديما وحديثا من النساء اللواتي سطرن بأقلامهن ، أو بدعوتهن وتوجيههن ، أو بدمائهن ، ما يفتخر المسلمون به ، ويفاخرون به الأمم ،ولا ريب أن المرأة المسلمة لعبت دورا كبيرا في الدعوة إلى الإسلام والتعلم ، والجهاد من أجله.
3 أن المرأة تمر بفترات وتغيرات جسدية قد تعاني منها كثيرا،وقد يكون لذلك أثره البالغ على نفسيتها، وطريقة تعاملها مع الناس، وكذلك على طريقة تفكيرها ، وقد أكدت كثير من الأبحاث الطبية هذا ، وأن له تأثيرا شديدا على نفسية المرأة ، مما يعرضها للإصابة بالإحباط ، وقلة التركيز والكسل ، واضطراب الذاكرة ، كما قد تؤثر على سرعة الانفعال عندها ، وتصيبها بالقلق ، والوهن ، وتغير المزاج ، والتوتر ، والشعور بالوحدة ، وثقل الجسم.
4 العقل جاء لعرض الاراء ، واختيار الرأي الأفضل ، وافة الاختيار الهوى والعاطفة ، والمرأة بطبعها تتحيز إلى العاطفة وتتميز بها ، فهي معرضة للحمل ، واحتضان الوليد ، فالصفة الغالبة عليها العاطفة وهذا مفسد للرأي ؛ ولهذا فهي تحكم على الأشياء متأثرة بعواطفها التي جبلت عليها،فكانت النساء ناقصات عقل ؛لأن عاطفتهن أزيد . وأكبر دليل على عاطفة المرأة تحملها لمتاعب الحمل والولادة ، وصبرها على رعاية طفلها، ويصعب على الرجل أن يتحمل ما تتحمله المرأة في ذلك.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بمراعاة مشاعر المرأة ؛ لأنها رقيقة ، وعاطفتها تجيش بسرعة وتندفع بقوة ، وحين كان حادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدو في سفره وهو يسوق ليروح عن الناس تعبهم وعن الإبل جهدها ، ناداه عليه الصلاة والسلام قائلا له: (يا أنجشة رفقا بالقوارير) فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن قوارير، مراعاة لعواطفهن ومشاعرهن.
أما عن نقصان دينها ؛ فلأن المرأة تعفى من فروض وواجبات لا يعفى منها الرجل ، فهي تعفى من الصلاة في دورتها الشهرية ، وتعفى كذلك من الصيام وقت حيضها ، أو حملها ورضاعها ، وتعفى من الجهاد ، وصلاة الجمعة ، والجماعة في المسجد، فصارت تكاليف المرأة الدينية أقل من تكاليف الرجل الدينية ، وذلك تقدير من الله لجبلتها التي فطرت عليها، وصدق الله حين قال:(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)النساء(32)
ومما تجدر الإشارة إليه أن وصف المرأة بهذا الوصف لا يعني ذلك نفيه عن بعض الرجال ، وأنهم لا يمكن أن يوصفوا به ، فهناك الكثير من الايات القرانية التي نفت العقل عن كبراء القوم ، وعظمائهم من المنافقين والكفار، لتنكبهم صراط الله المستقيم ، وإيثارهم الزائلة الفانية ، على الدائمة الباقية، فهم ناقصو عقول ، ومنعدمو دين عياذا بالله من ذلك

* هل الإسلام يدعو إلى ضرب المرأة وانتهاك كرامتها؟!
والجواب عن ذلك أن الإسلام لما بين حقوق الزوجين ، وما يراعيه كل منهما في حق الاخر، بين أن المرأة إذا بدأت منها علامات النشوز ، فليكن موقف الزوج تجاهها عادلا ، فلا تأخذه الأهواء أو النزعات الانفعالية ، فإن هذا موكل لترتيبات الشارع الحكيم ، في علاج تلك المشكلة ، فلا يكون الضرب أو الطلاق أولها ، ولذا كانت مراتب التأديب كما يلي:
1 الوعظ بلا هجر ولا ضرب : قال تعالى : (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن...) أي فيذكرن بكتاب الله ، وحقوقهن على أزواجهن ، فإن أبت الزوجة ، ولم ينفع معها الوعظ والتذكير ، فينتقل إلى المرتبة الثانية.
2 الهجر في المضاجع : قال تعالى:(واهجروهن في المضاجع...) وذلك بأن يوليها ظهره في المضجع ، أو ينفرد عنها في فراش يخصه ، كما يجوز له أن يهجرها فترة طويلة ؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه هجر نساءه شهرا ، ولهذا جوز أهل العلم هجر الزوج لزوجه أكثر من ثلاثة أيام بسبب عذره الشرعي لنشوز المرأة ، وترفعها عنه كما ذكره الإمام الخطابي في معالم السنن ، وغيره من أهل العلم.
وهذا يخص من أحاديث النهي العامة التي تنهى عن هجر المسلم لأخيه المسلم أكثر من ثلاث ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) أخرجه البخاري.
3 الضرب: كما قال الله تعالى:(واضربوهن) ولا يكن ذلك بداية علاج الداء ، وليكن هو اخره ؛ فإن اخر العلاج الكي، ولذا كان القول الحق من أقوال العلماء أن لا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها ، كما هو مذهب الإمام أحمد ، وقول ابن عباس ، وغيرهم كثير من أهل العلم .

ثم إن الضرب للزوجة ، ليس على إطلاقه بل له عدة شروط:
أ أن تصر المرأة على النشوز والعصيان.
ب أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير.
ج أن يراعي الرجل ، مقصوده من الضرب ، وأنه للعلاج والتأديب لا غير ، فينبغي التخفيف منه بقدر الإمكان ، ويتحقق ذلك كما ذكره أهل العلم (باللكزة ونحوها أو بالسواك) ولهذا وصى رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم أمته في حجة الوداع قائلا:(...اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح) وقد عد الألوسي الضرب غير المبرح بأنه(الذي لا يقطع لحما ، ولا يكسر عظما) روح المعاني(5/562)
ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه ، ولم يكن لها علاج إلا الضرب ، بأن يتقي الله في ضربه . قال عطاء : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال: السواك ونحوه.ويتجنب المواضع المخوفة كالرأس والبطن ، وكذا الوجه ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ضرب الوجه نهيا عاما، ولذا ذكر المحققون من أهل العلم ، كالنووي بأن الرجل لو ابتلي بضرب زوجه ، وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها ، بأن زوجها يجب عليه الغرم ؛ لأنه كما قال النووي تبين بأن ذلك منه للإتلاف لا للإصلاح.
وقد أخرج أبو داود من حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ! ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال:(أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت)أخرجه أبو داود وصححه ابن الملقن في البدر المنير(8/289) وكذا قال الألباني:(حسن صحيح) في صحيح سنن أبي داود/ص402.
فهذا هو موقف الإسلام من قضية ضرب المرأة ، وليس كما يمثله العلمانيين ، والذين يقولون إن الإسلام يأمر بضرب المرأة وإهانتها ، أو المنهزمون الذين ينفون ذلك عن الإسلام بروح الهزيمة لقلة تضلعهم بعلم الشريعة ، واطلاعهم على النصوص التي تعرضت لذلك ، اخذين نصا مبتسرا من عدة نصوص من الكتاب والسنة ، مع عدم ذكر سباق النص ولحاقه ، ليتضح المعنى ، وتبين الصورة .
ولا يعني ذلك أن الرجل إذا استخدم هذا العلاج الأخير مع زوجه أنه يكرهها ، أو يكن لها حقدا ؛ كلا...فالرجل قد يضرب ابنه على معصية ارتكبها ، وابنه من أحب الناس إليه ، لكنه فعل ذلك لأجل حبه لابنه ، فيكون رجلا مستقيما على دينه ، ومرضيا عند ربه.

* هل من المعقول أن كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان،لأن الله يقول عن النساء(إن كيدكن عظيم) ويقول عن الشيطان (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)؟!
والحق أن هذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على قولين:
1 أن كيد المرأة أعظم من كيد الشيطان لظاهر نص الاية؛ وممن اختار هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ؛ حيث يقول في كتابه المذكور(2/217):(كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ، والاية المذكورة هي قوله:(إن كيد الشيطان كان ضعيفا)فقوله في النساء(إن كيدكن عظيم)وقوله في الشيطان(إن كيد الشيطان كان ضعيفا)يدل على أن كيدهن أعظم من كيده.
ويضيف الشيخ رحمه الله : قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم :(إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ؛ لأن الله تعالى يقول:(إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وقال تعالى:(إن كيدكن عظيم) ا.ه وقال الأديب الحسن بن اية الحسني الشنقيطي:
ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه)ا.ه
2 الرأي الاخر يرى أن المسألة تحتاج لتوضيح، وتبيين ما في الايتين من فروق ومن ذلك:
أ أن الظاهر لا مقابلة بين العظيم والضعيف.
ب الكيد بالنسبة للنساء هو لجنسهن ، وبالنسبة للشيطان للعموم.
ج كيد الشيطان كان ضعيفا ؛ لأنه يمكن دحره والتخلص منه بالاستعاذة ، أو الأذان ، أو ذكر الله عموما، وكيد النساء عظيم ؛ لأنه من الصعب طردها!
د أن قوله تعالى:(الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا) فالاية تقابل بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل في سبيل الطاغوت الذي هو الشيطان ، فمن الذي سيكون كيده ضعيفا؟لا شك أنه الشيطان ، فكيد الشيطان بالنسبة لأولياء الله الصادقين ضعيف لا يقدر عليهم، كما أخبر الله تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون) فمن كان يسنده القوي فأنى يضعف؟!
أما ما ورد في سورة يوسف ، فالمقابلة بين كيد المرأة وكيد الرجل، ولا شك أن كيدهن أعظم من كيد الرجل والقصص في ذلك كثيرة جدا وجاء وصف كيدهن على العظمة المطلقة مبالغة في تحقيق ذلك الوصف فيهن، وقد نبه على هذه النقطة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في بعض دروسه وشروحاته والله أعلم .
فيتبين أن الراجح والله أعلم أن كيد المرأة ليس أقوى من كيد الشيطان ، فقد وصف الله كيد المرأة في سياق معين ، ووصف كيد الشيطان في سياق معين ، وكيد الشيطان أعظم من كيد المرأة ، لأن كيد المرأة جزء من كيد الشيطان ، ولكن ذكر بعض أهل العلم أن كيد الشيطان عن طريق الوسوسة ، بينما كيد المرأة عن طريق المباشرة ، والمواجهة وهذا يكون له أعظم الدور في التأثير على المقابل.
وليس يعني ذلك أن هذا الكيد يعد مظهرا من مظاهر القوة ، بل هو من مظاهر الضعف كما بينه الأستاذ الدكتور محمد السيد الدسوقي ؛ فكيد المرأة لا علاقة له بكيد الشيطان بحال من الأحوال ، لأنه أسلوب الضعيف الذي يحاول أن ينال حقا ، لا يستطيع الوصول إليه صراحة .
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه وسلم أجمعين.

 
عودة
أعلى