في الطفولة

17

وبعد صلاة العصر مباشرة
تهيئ كوؤس الشاي
ويقدم الخبز الساخن والزبدة
والزيتون وما تيسرمن فواكه البلدة الموسمية
فيأكل الجميع في هناء ورغد
ويصاحب الطفلان عمهما لذبح ديك ودجاجتين سمينتين
من المنتوج المحلي
كان العم يحسن تربية الدجاج
ويقذف لهم الحب كل صباح ومساء
وكان يولي اهتمامه برعايته وخاصة الديكة لأنها تفيقه لأداء صلاة الصبح
ما أكثر البيض في خم الدجاج
وسلم الطفلين بيضتان لكل واحد
ليذهبا بهما الى مليكة كي تقوم بسلقها
ويأكلانها بعدما نفحها بقليل من مادة الكامون والملح
ويخرج الطفلان يلعبان مع عبد المجيد
ليزورا ابن عمتهما زهرة فيستقبلهم ابراهيم وزوجته أحسن استقبال
ويعد لهم الشاي والخبز والسمن
ويشربان تحت دخان سجائره التي لا تنطفئ
ويحدثهم بما كان يفعل معة خاله
( أبو الولدين)
حدثهما انه كان يعمل عند أبيهما قديما في المزرعة
وقد أرسله يوما لحرث الأرض مصحوبا بالبدور والجرار وبهائم الحرث
وكان كل يوم يرجع ولم يحرث الأرض
ومضت ثلاثة ايام ويلاحظ الوالد سمن الدواب
وعزم أن يتبعه في اليوم الرابع ليتفقد أعمال الحرث
ليجد ابراهيم القم نائما والدواب تأكل في البدور
ووجد فمه فاغرا وهو يغط في نومه
فاخذ الوالد حفنة من تراب ويلقيها في فم ابن اخته
فيستقيق هذا الأخير تحت عصا الوالد التي لا ترحم
والطفلان يتابعان ما حصل له مع الوالد
ويغرقان في الضحك عليه
ويريد الطفلان المغادرة فيقسم عليهم إبراهيم الا يغادروا حتى يتعشوا
وكان لهم ذلك
ويرجعان الى منزل عمها سعيدين بما رواه ابراهيم عن ابيهما
ليجدا اباهما وعمهما في انتظارهما لاكل الثريد
وياكلان وقد امتلات بطونهما
وكان ماء القرية ماء معدنيا حلوا يساعد على الهضم
ويعيد الطفل على أبيه أحداث قصته وما ورد على لسان ابراهيم ليتذكر القصة مبتسما
و يستسلم كل من في المنزل لسطان النوم الذي أخذ بالأجفان
يتبع
 

18
ويقوم الجميع على صياح الديكة واذان الفجر لأداء فريضة الصبح
وبعد السلام والأذكار الصباحية
يخبر الوالد طفليه بأنه مدعو لرحله قنص مع بعض أصدقائه في سفوح الجبل الأخضر ويدعوهما ليتأهبا لمرافقته
فيفرح الطفلان بهذا الخبر ويستعدان لرحلتهما الممتعة وبعد تناول طعام الإفطار
تقلهم عربة بحصان الى تلك السفوح
ما أجمله من منظر خلاب
حيث الأشجار ملتفة والعشب الأخضر قد غطي اليابسة
ويجدان في استقبالهم السيد بن علال والسيد العربي الأطرش كل منهما يمسك بندقيته وتوشح بخراطيش الصيد ولبس بذلة شبه عسكرية ويتقدمهما كلبان سلوقيان
فقبلا الطفلين وأباهما وأعينهما لا تفارق الطرائد الطائرة منها في الأجواء والزاحفة منها على الأرض الخضراء ويسمع ذوي طلقة
إنه الأطرش قد صوب بندقيته على أرنب تجري بين الحشائش فارداها قتيلة فيقفز سلوقيه جريا إليها ويأتي بها بين يديه على جناح السرعة
وتتوالى طلقات كلا الصيادين ما بين فاشلة وناجحة ليملآن قفتيهما بالطرائد ما بين أرانب ودجاج الماء وحجل
ويدعوننا لمشاركتهم أكل البعض منها وسط تلك الطقوس الجميلة وتحت الخيمة حيث أن مرافقهم قد أشعل النار ليطهيها فوق الأعواد الملتهبة
ويعد لنا كؤوس القهوة ريثما يتم الطهي على عادة الصيادين
وتناول الوالد وصاحبيه حديثا شيقا ذكرونا فيه بمغامراتهم التي لا تعد ولا تحصى
وبعد ساعتين قدم الأكل للحاضرين فأكلوا وشربو ولذوا وتربوا
ويرجع الكل إلى من حيث أتى بعد رحلة صيد شيقة
وعند الوصول وجد الوالد اخته زهرة تدعوه لضيافة عند ولدها امبارك بدوار الغابة في صباح الغد
يتبع
 
19
وأصبح الصباح وأشرق الكريم بنوره ولاح
وبعد مراسيم الصلاة والإفطار
ركب الوالد حمارا (مبردعا ) مسرجا كما ترادف طفلاه على حمار مبردع أيضا
واستلم طفلنا عصا من عمه ليتولى القياده
ودعواته لهم بالسلامة لم تفارق مسامعهم الى ان تواروا على ناظريه
وسار الركب في اتجاه دوار الغابة
واستمرت الرحلة حوالي الساعتين
ليجدوا العمة تنتظر على مشارف الدوار
وينزل الضيوف وتستقبل العمة وولدها امبارك أخاها الأصغر وولديه أحر استقبال
وضحكاتها تملأ المكان فرحا بتلبية دعوتها
ودخل الجميع بيت مبارك الناصية
حيث وجدوا طعام الإفطار قد هيئت موائده الشهية فأكلوا وشربوا وتمتعوا
كانت العمة كثيرة النكث والطرائف ولها معزة خاصة عند الطفل
واستفردت بالطفلين لتعزف لهما معزوفتها الخاصة
( وسكي وسكي يا لالي) كانت خفيفة الروح بشوشة الوجه قد بلغت من العمر الخمسين ونيف تقريبا
توفي عنها زوجها وترك لها ولدين وبنت صاحبنا هذا وعبد الله ورقية
وكانت هي من تدير شؤون الأسرة
من بعده
كانت عصامية
تحرث الأرض وتتولى تربية المواشي والدواجن
وتربي أطفالها أحسن تربية
حتى كبروا وتزوجوا وانجبوا وصارت جده يضرب بها المثل
الكل يحترمها
وكانت له قصة جميلة مع الوالد سأحكي تفاصيلها في الوقت المناسب
اما ابنها امبارك فقد أخذ منها خفه الروح وبشاشة الوجه
كان قد أعد فخاخا للقنص
وكان نصيبه من هذه العملية الغريبة
اصطياد ارنبة بارك الله في لحمها وشحمها
وجعلها في بيت خالي وأحاطها بحصير
ليوري ضيوفه حنكته ووزهوه بأرنبته
فذبحها وسلخها لتكون لضيوفه غذاء
واستطرد الكل في الحديث الشيق
وكؤوس الشاي تحلي المجلس ألى ان وصل وقد الغذاء
فاكلوا لذيذا وشربوا هنينا ليودعوا العمة الفاضلة
ورجعوا طريقهم ليخبرهم الوالد أن العوده الى الديار السطاتية
ستكون في الغد بحول الله
ويدعوهم للتاهب للسفر في الغد الباكر

يتبع
 
20
وعند الرجوع الى بيت العم الفقير عباس
ودع الوالد شيخه وأهله وأحبابه وتجمع مليكة الحقائب وتصطف سلل ملآى على اختلاف أشكالها وأحجامها بالعنب والتين والزيتون والرمان وثمار الصبار كهدية من العم وبعض الأحباب
مشفوعة باواني خزفية من الزبدة والسمن المملح وقربة من اللبن
وفي الصباح الباكر تشد الرحال للرجوع الى البلد
وكان في وداع الوالد وابنيه العم وأهل الدار
وصحبهم ابنه أحمد على العربة ذات الحصان الأدهم
ليوصلهم الى محطة المسافرين بعدما حمل الأمتعة والهدايا
حيث وجدوا الشاحنة في انتظارهم وحملوا أمتعتهم وودعوا ابن العم
واقلتهم الشاحنة الفارهة الى بلدهم سالمين
ليجدوا العائلة كلهاقد اشتاقت لهم حد الحنين
وتقبل الوالدة ابنيها بحرارة
وتحضنهم بعد ان قاست في فراقهم الأمرين
ويذهب الوالد لتفقد متجره الذي اقفله من أربعة ايام بينما الطفلان استسلما لنوم عميق
ليقوما لتناول وجبة عشاء دسمة كثر إدامها و تعددت فاكهتها حضرها شيخ الطفل الوقور
مع اخيه الذي اشتاق اليه كثيرا
ويسأل الشيخ أخاه عن أحوال الأهل والبلد
ويطمنه الوالد ويبلغه تحايا البلدة ومن فيها
وأخبرت الوالدة ابنيها بأنها ستقوم بعد أيام لرحلة عند والديها
الشريف السي محمد الناصري وامها طامو لكون أخيها الحسن يستعد لمراسيم زفاف بكريمته فاطمة
لتعينهم على تهييى الحلويات وبعض مستلزمات العرس البدوي المنتظر
ستكتشفون أسراره في الحلقة القادمة بحول الله
يتبع
 
عودة
أعلى