شوـوـوق ..}
Well-known member
ألق مجدافك ودع الأمواج تلعب بك
عندما ينظر شخص إلى الناس نظرة استعلاء
وينظر إلى نفسه نظر تزكية ورفعة
فإن ذلك يدفعه إلى أن يرى هلكة الناس نصب عينيه !
وكأنه ينظر إلى مصارع القوم !
أو عندما ينظر إلى المجتمعات من زاوية سوداء
فإن الصورة التي يراها صورة قاتمة يرى من خلالها السوء
والسوء فحسب !
ومن ثم يقول : هلك الناس !
وهو بهذا أو ذاك إما أنه أسرع الناس وأشدهم هلاكا
أو أنه تسبب في هلاك الناس بالإيحاء !
ألق مجدافك الأمواج تلعب
إنك عندما تجلس إلى صاحب النظرة السوداء القاتمة ، فإنك لن ترى سوى الأفق القاتم
ولن ترى سوى سيل عذاب قد انعقد غمامه !
ولن تبصر سوى ليل بلاء قد ادلهم ظلامه !
فتحدثك نفسك أن الزمان قد فسد !
أو أنه زمان الشح المطاع ، والهوى المتبع ،
والدنيا المؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه !
وتكاد ترى أن الخير في العزلة
وأن الدجال يكاد يطرق بابك !
وأن الساعة قائمة العشية !
هذه نظرة
ألق مجدافك الأمواج تلعب
ونظرة أخرى ينظر بها الشخص على فساد الأخلاق
فإن حدثك حدثك عن فساد أخلاق الناس ، وكأنه حاز كل فضيلة !
أو أنه تسربل بسربال كل خلق كريم
فأصبح يذم الناس
وكأنه يستل نفسه من هذا السوء كما تسل الشعرة من العجين !
فلو سمعه سامع وكان فيه بقية خير لزهد فيما عنده من الخير
ولظن أن الناس كلهم على شاكلته !
فحدث نفسه لم يحاول الإصلاح والناس قد أوشكوا على الهلاك
بل هم على شفا هلكة !
ولم يدعو من يدعو وهو في الناس كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض
أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود !
وربما تمثل :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه = إذا كنت تبني وغيرك يهدم ؟!
أو قال :
ما جهود المصلحين إلا كقطرة في بحر !
أو كمن يكتب سطرا ويمسح عشرة !
وما هذا إلا كمن يرى صاحب زورق يجدف بمجداف واحد !
ألق مجدافك الأمواج تلعب
فيصيح به :
ألق مجدافك ودع الأمواج تلعب بك ظهرا لبطن !
لا فائدة من مجداف واحد ، وأمامك ألف موجة !!
استسلم للغرق ! وانتظر الموت ! ولا تحرك ساكنا !
من أجل هذا وذاك قال من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام :
إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم . رواه مسلم .
ألق مجدافك الأمواج تلعب
قال الإمام النووي رحمه الله :
روي أهلكهم على وجهين مشهورين :
رفع الكاف وفتحها ، والرفع أشهر ... ومعناها أشدهم هلاكا
وأما رواية الفتح فمعناها : هو جعلهم هالكين
لا أنهم هلكوا في الحقيقة ،
واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن
قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم
وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم ؛
لأنه لا يعلم سر الله في خلقه
قالوا : فأما من قال ذلك تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس
من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه . انتهى .
وفي هذا المعنى قال أبو الدرداء رضي الله عنه :
لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله
ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا .
ف يا أمتي لست عقيمة ما زلت قادرة على الإنجاب
فأمة الإسلام أمة ولود ، ما عدم الخير فيها ، ولا جفت منابعه .
ولا يزال فيها الخير إلى قيام الساعة .."