الثورة المعلوماتية
الثورة المعلوماتية
جاء مصطلح المعلوماتية من الكلمة الفرنسية informatique، ولا يوجد في اللغة الإنكليزية مصطلح يقابله تماما. وتشير المعاجم إلى أن هذا المصطلح ظهر أول مرة في أدبيات شركة المعلوماتية التطبيقية التي كانت تدير المركز الأول في الحساب بفرنسة. غير أن عبارة علوم الحاسوب computer science تستعمل في كثير من الأحيان بديلا من مصطلح المعلوماتية، مع بعض التجاوز.
وعلى وجه الدقة، إن علوم الحاسوب تهتم بدراسة الحواسيب، وهذه تنطوي على تصميم الحاسوب وتشغيله، واستخدامه في معالجة المعلومات. هذا وإن علوم الحاسوب تعنى أيضا بالهندسة والإلكترونيات، ونظرية المعلومات، وبعض موضوعات الرياضيات والمنطق والسلوك البشري.
وتمتد مواضيعها من بناء الحاسوب والبرمجة إلى الذكاء الصنعي والروبوتية roboties. أما المعلوماتية فتشمل ما يسمى تقانة (تكنولوجيا) المعلومات information technology، ومكوناتها الرئيسية والمكونات المادية (العتاد) hardware، والبرمجيات software، والاتصالات communications، وعلم المعلومات information science: وهو دراسة كيفية جمع المعلومات وتنظيمها وإيصالها.
والمعلومات information ليست سوى معطيات تتحول إلى معلومات عندما ينظر إليها ضمن السياق. والحواسيب تعالج المعطيات دون أي فهم لما تمثله هذه المعطيات.
والثورة المعلوماتية هي ثورة المعلومات والثورة الحاسوبية. أما ثورة المعلومات information revolution أو انفجار المعلومات information explosion، فهي النمو السريع لكمية المعلومات، وهذا ما أدى إلى هذه الحقبة الحالية من تاريخ البشرية التي حل فيها امتلاك المعلومات ونشرها محل المكننة والتصنيع، باعتبارهما قوة محركة للمجتمع.
وتختلف ثورة المعلومات عن غيرها من الثورات. فالثورتان الزراعية والصناعية تتصلان بأشياء ملموسة، بالأرض والالة. وعصور الحديد والبرونز والبترول وسواها هي عصور تتصل بالمواد الجديدة، أما المعلومات فليست ملموسة.
أما الثورة الحاسوبية computer revolution، فهي الظواهر المجتمعية والتقنية التي تواكب التطور السريع في الحواسيب، واتساع خدماتها وقبولها، وخاصة الحواسيب الشخصية. ويعد أثر هذه الالات ثوريا لسببين، الأول: أن ظهورها ونجاحها كانا سريعين جدا. والثاني وهو الأهم: أن سرعتها ودقتها أحدثتا تغييرا في طرق معالجة المعلومات وتخزينها ونقلها.
نشأة الحاسوب وتطوره
ليس الحاسوب هو أول الة استخدمت لمعالجة الأرقام، فالمعداد abacus، استخدم منذ خمسة الاف عام في شرق اسيا، ومازال مستخدما حتى اليوم. وفي عام 1642 اخترع عالم فرنسي يدعى بليز باسكال Blaise Pascal أول حاسبة ميكانيكية، ثم قام لايبنتز Liebnitz بعد ثلاثة عقود بإدخال تحسينات عليها، فغدت قادرة على إجراء عمليات الضرب والقسمة وحساب الجذور التربيعية للأعداد، ثم توصل العالم البريطاني تشارلز بابيج Charles Babbage إلى إمكان معالجة المعلومات باستعمال الة، إذا ما أمكن تحويل المعلومات إلى أرقام. وابتدع بالفعل لغة (برمجة) مستخدما الأرقام والحروف ورموزا أخرى، كما ذكر سلسلة من التعليمات لتشغيل الالة.. وفي منتصف الأربعينيات من القرن العشرين بني أول حاسوب على أساس من أفكار بابيج. إنما قبل ذلك، في أواسط الثلاثينيات، أبدع عالم رياضيات يدعى الان تورنج Alan Turing فكرة لبناء الة، عرفت فيما بعد بالة تورنج. وهي الة حاسبة متعددة الأغراض، يمكن تزويدها بتعليمات للعمل مع أي نوع من المعلومات. وأثبت بعد ذلك بقليل كلود شانون Shannon في أطروحته لنيل شهادة الماجستير: «أن الالة التي تنفذ تعليمات منطقية، يمكن أن تعالج المعلومات».
إلى جانب ما قدم تورنج وشانون يمكن أن يضاف إلى الدور الهام الذي قام به عالم الرياضيات الشهير جون فون نويمان John Von Neumann (وهو أمريكي من أصل مجري)، الذي بين أنه بتخزين معلومات في ذاكرة الحاسوب، يمكن الاستغناء عن تغيير الأسلاك. هذا التغيير الذي كان ضروريا عندما يطلب من الحاسوب الانتقال من مهمة إلى أخرى.
والحاسوب الأول الذي اعتمد نظام العد الثنائي هوThe Electronic Numerical Integrator Calculator (ENIAC) وتعني المكامل العددي الإلكتروني. يزن هذا الحاسوب ثلاثين طنا، وفيه سبعة عشر ألف صمام. وفي بداية الستينيات من القرن العشرين حلت الترانزستورات محل الصمامات، وكان ذلك ثورة في صناعة الحواسيب. تبع ذلك سلسلة من التطويرات: من وسائط أولية لتبادل المعلومات (مثل البطاقات المثقبة) إلى وسائط أخرى سهلة الاستعمال، ومن برمجيات غير مرنة إلى برمجيات متطورة؛ ومن الحاسوب الكبير Mainframe، الذي يعتمد الصمامات ثم الترانزستورات إلى الحاسوب الصغير Minicomputer، الذي يعتمد الدارات المتكاملة، إلى الحاسوب الصغير Microcomputer، الذي يعتمد على تكامل وسيع النطاق Vlsi (مكون من عدد كبير من مفاتيح أشباه النواقل). تقلص حجم الحاسوب وزادت سرعته، فصار يقوم بمليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة.
وواكب تطور جسم الحاسوب المادي تطور المهام التي يؤديها الحاسوب. إذ كان عمله في البدء لا يتجاوز عمل الة حاسبة ضخمة لمعالجة البيانات بغية استخراج قوائم المرتبات وكشوفات الحسابات، ثم تطور ليعالج المعلومات، وتطبيقاتها في بنوك المعلومات ونظم دعم القرار، ثم ارتقى بعد ذلك، بعد تطور أساليب الذكاء الصنعي، إلى معالجة المعارف، من نظم خبيرة ونظم ذكية، وكان لا بد من تطور مناسب في البرمجيات ولغاتها لأداء هذه المهام المتطورة.
أما فيما يخص جانب الاتصالات، فكانت وسيلة نقل البيانات تعتمد أسلاك النحاس الغليظة، ثم دخلت الألياف الضوئية Fiber Optics الرفيعة جدا، وبسرعة تدفق كبيرة، إلى استخدام الأقمار الصناعية دون أسلاك. ونتيجة لهذه التطورات في مكونات الحاسوب والبرمجيات والاتصالات، برزت الشبكة العالمية (الإنترنت)، التي تربط الإنسان في أي موقع من العالم، بأي موقع اخر. وبها يتمكن من الوصول إلى المعلومات التي يبحث عنها، وبها يستطيع القيام بالصفقات التجارية، والتواصل مع أصدقائه.
ثورة المعلومات
كان القسم الأعظم من المعلومات إلى وقت قريب، يخزن على الورق، في كتاب أو على صفحات الجرائد أو ما ماثل ذلك. ولكن تفجر المعلومات، وما رافق ذلك من عجز الفرد عن قراءة جميع الإنتاج الفكري الذي يتوقع الاستفادة منه واستيعابه، وعجز الطرق والوسائل التقليدية عن سد الحاجات المختلفة للأفراد. يضاف إلى ذلك العبء المالي الذي يتطلبه ذلك، وعجز الفرد والمؤسسة عن الاضطلاع بهذا العبء. كل ذلك دفع المجتمع البشري إلى البحث عن وسائل أخرى. وجاء في تقرير واينبرغ Weinberg، الذي أعدته لجنة الإعلام العلمية في أمريكة، المكونة من مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم، حول مسؤوليات رجال الثقافة والسلطات الحكومية في بث المعلومات، عام 1958 ما يأتي: «إننا لا يمكن أن نسيطر على تفجر المعلومات على المدى الطويل، إلا إذا أعددنا بعض العلماء والمهندسين لأن يلقوا بكل ثقلهم، وبعمق، في عمليات غربلة المعلومات وعرضها وتركيبها وتحليلها، أي تناول المعلومات بمضمونها ومعانيها، لا مجرد تناولها بطرق الية. ولابد أن يقوم أمثال هؤلاء العلماء بابتكار علم جديد، لا مجرد فرز الوثائق».
لم يعد الحصول على المعلومة أمرا يهم الأفراد العاديين والباحثين وحدهم، بل ضرورة ماسة لأصحاب القرار، وبات من الضروري الحصول على المعلومة بأقصر زمن ممكن، بسبب النشاط التنافسي المتزايد، والعداء الظاهر والباطن بين الدول، والتبدلات الاقتصادية السريعة.
كان كل ذلك سببا رئيسيا في الثورة التي طرأت على الحاسوب وعلومه، فصار من الممكن حاليا تسجيل كتاب ضخم أو موسوعة كبيرة تضم عددا كبيرا من المجلدات على قرص ليزري يزن عدة غرامات، بل ويمكن كذلك الحصول على أي معلومة من هذا الكتاب أو هذه الموسوعة خلال ثوان. كل ذلك إضافة إلى رخص الثمن وإمكان النشر والتعديل والعرض، والتحميل عبر الشبكات الحاسوبية، وإمكان الجمع بين النص والصورة والحركة وعروض الفيديو (الوسائط المتعددة) Multi Media ويمكن بعد ذلك أن الاكتفاء بالاطلاع على هذا الكتاب «الإلكتروني» على شاشة الحاسوب، أو طباعته على الورق. لهذا صار إلى جانب المكتبات التقليدية مكتبات إلكترونية، يمكن أن تضم في خزانة صغيرة بعض الأقراص الليزرية التي تقوم مقام مكتبة ضخمة جدا.
وبالنظر إلى المستقبل: يرى البعض أن ثورة المعلوماتية مازالت في بداياتها، وأننا نمر الان في مرحلة مثيرة من عصر المعلوماتية، وهي بداية البداية لهذا العصر. ولا يمكن، على وجه اليقين، التنبؤ بمسارها القادم. ولكن من المؤكد أنها ستؤثر في حياة جميع الناس، وستترك بصماتها على الطريقة التي يتواصلون بها، وعلى أساليب عملهم، وتعاملاتهم، وسيطال التأثير كذلك العلاقات الاجتماعية، ومناهج التعليم وأساليبه، والاقتصاد والإدارة وغير ذلك من النشاط البشري.
بدلت التقانات الحديثة حياة الناس، وستكون الفوائد والمشكلات القادمة والناشئة عن تطور الاتصالات، على وجه الخصوص، أكثر بكثير من تلك التي ترتبت على ثورة الحاسوب الشخصي. ومازالت هذه الاثار موضع جدل، فهناك من الباحثين من يعد ثورة تقانة المعلومات الحالية مدمرة للنسيج الاجتماعي، بل تمثل تهديدا للترتيب المستقر للأشياء.
ويحذر بعضهم من العادات والممارسات غير الاجتماعية نتيجة تعذر ضبط الشبكات والإنترنت خاصة، فهي تعطي عصابات المافيا وجماعات الكراهية حقوق النفاذ ذاتها التي تتمتع بها المنظمات ذات الأهداف الإنسانية، كل ذلك إضافة إلى اثار سلبية أخرى كثيرة. وهناك فريق اخر من الباحثين ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، فيؤكد أن المجتمع المعلوماتي أكثر عدلا من سواه، لأن الناس فيه سواء، ويرى أن التقانة الرقمية قوة طبيعية تضع الناس جميعا في منظومة عالمية أكثر توافقا.
ويرى بعضهم أن ما قدمته الثورة المعلوماتية ليس للجيل الحالي أو للأجيال التي سبقته بل هي لأجيال المستقبل. إن هؤلاء سيدفعون هذه التقانة إلى افاق رحبة جديدة.
م / ن للفائده