لبنان وتجارة الدم…؟ (( مجزرة قانا ))

لبنان وتجارة الدم…؟ (( مجزرة قانا ))

جراحُكَ يالبنان تنزفُ من صدري



وحزنُكَ يفري كالبواتر في نحري

وحُبك لم تترك ماسيكَ دمعةً



ولا زفرةً إلا وسالتْ مع الشعرِ

أهدهدُ أحزاني بريشة متعبٍ

يرى في الأسى المكتوبِ شيئاً من الصبرِ

وبادلتُ ماءَ العينِ بيتاً أخطُه



فقد جفَّ مجرى الدمع في حومةِ القهرِ

لعلي أرى يوماً لديكَ شفاعةً



إذا قلتُ ما تُخفي السرائرُ في الصدرِ

…………

نهارك أضحى مأتماً بعد مأتم



وفجركَ مجروحٌ وليلكُ لا يُغري

وصدرُكَ مطعونٌ بألف من المُدى



وقلبُكَ دفَّاقُ العواطف والشكر

تقلَّبَتَ في بحر العروبةِ حائراً



بأمرك بين المدِّ يوماً وفي الجزرِ

يصرِّفُ فيكَ البائعونُ تجارةً



وأنت بها أدرى وليتكَ لا تدري

أحالوكَ كبشاً للفداءِ تكاثرتْ



على ذبحهِ كلُّ الشرائعِ للنذرِ

حملتَ أسى الدنيا فأرضكَ ملعبٌ



لأطماع تجار المذابح والعُهْرِ

فماخجلوا من فعلةٍ يفعلونها



جهاراً وإن الله يأمر بالسترِ

تلاقوا على العدوان ظلماً وعنوةً



وساقوكَ للأحداث بالسرِّ والجهرِ

أذاقوكَ من سود المطامع علقماً



وباعوكَ للأحزانِ في أبخسِ السعرِ

وخلَّوا الربوعَ المترفاتِ كئيبةً



وما تركوا إلا الدموعَ التي تجري

ضحاياكَ بالالافِ يا خيرَ مَنْ سقى



ترابَ بلادِ اللهِ بالنور والفكرِ

شموسُكَ لا زالتْ ترشُ ضياءَها



ويشربُ أهلُ العلمِ من نبعكِ الثرَّ

فمن مولد التاريخ قامتْ حضارةٌ



على شطك المزروع بالأنجمِ الزهرِ

فشادتْ على كَتَفِ الخلودِ منارةً



تظل بجيد الدهرِ طوقاً من الدرِّ

فأنت بعين المجدِ أولُ موطنٍ



تدين له الأكوانُ بالعزِّ والفخَرِ

وأولُ من خطَّ الحروفَ ملاحماً



وأول من قاد السفائنَ في البحرِ

فأصبحتَ بين الأمسِ واليومِ ملعباً



لأحقادِ تجار التناحر والشرِّ

تنام على البلوى وتصحو على الأسى



وتشربُ كأسَ الموتِ من موردِ مُرِّ

تلملم أشلاءَ الذين تساقطوا



بنزوة مأفونٍ تمرَّغَ في الوزرِ

ودكتْ بيوتَ الامنينَ عصابةٌ



تعيشُ على البطشِ المدمرِ والكفرِ

تبارتْ على وأدِ السلامِ وشوهتْ



ألوفاً من الأطفالِ تطفح بالبشرِ

ولم يرحم الفجّار أماً وحرّةً



ولا عاجزاً أضحى قريباً من القبرِ

وهل فرَّقوا بالقتلِ بين محاربٍ



وبين ضعيفٍ شاخ في ذمة العمرِ

وماذنب طفلٍ جاء في غسق الدجى



فذاق ذؤام الموتِ في صحوةِ الفجرِ

جنونٌ من الغدرِ اللئيمِ مسيطرٌ



تمرَّسَ بالأحقادِ من سالفِ الدهرِ

أنينُ الثكالى فوق أشلاءِ صبيةٍ



يفتتُ قلبَ الصخرِ لو مرَّ في الصخرِ

………………………

حنانك يالبنان كيف تبدلتْ



خمائلك الخضراءُ بالبيدِ والقفرِ

تطوحني الأحلامُ سكرى مريرةً



إذا مرَّ خلفَ الجفنِ طيفُ الهوى العذري

لياليكَ لا أحلى: وللعطرِ موعدٌ



يطوفُ على الأحناءِ في موسم الزهرِ

ولكنْ على مغناك دنيا كعهدها



تضوع مدى الأيام في أجود العطر

أديمُكَ معجونٌ بماء قلوبنا



وأرزك مغسولٌ بأدمعنا الطهر

فكم كنتَ للملتاحِ قبلةَ متعبٍ



ينامُ قريراً تحتَ أفيائكَ الخضر

وكم كنتَ للأحرار حصناً وملجأً



وكم كنتَ للظمان دناً من الخمرِ

أحالتكَ أيدي النائبات خرائباً



وماتتْ أماسي الحبّ في موطن البدرِ

ولما تهاوى النسرُ من شاهقٍ الذرا



تمادى بغاثُ الطيرِ في ملعبِ النسر

ففي الصدر من رجع الأنين مواجعُ



تضجُّ وتطوي القلبَ شطراً على شطر

……………..

لحا اللهُ في أرض العروبةِ قادةً



ترى في سلاح الصمت لوناً من العذرِ

قذائفُ قتل الأبرياءِ وصوتها



يمزق سمعَ الكونِ في الفجرِ والعصرِ

ولكنَّ اذان الزعامة لم تزلْ



تعاني برغم القربِ وقراً على الوقرْ

يغطون في نومٍ عميق وأمتي



تذوق الحمامَ المرَّ في قبضةِ الأسرِ

أشاحوا عن المحتلِ طرفاً وأدمنوا



كؤوسَ الأسى عند التبجح بالثأرِ

وخلوا زمام الأمر في كفِّ غيرهم



يبتُّ ويقضي بالمصير وبالأمرِ

تمنيتُ أن يصحو الضميرُ مداعباً



جفونَ دعاةِ النصرِ في مأتمِ النصرِ

يهيبُ بمن ناموا قروناً طويلةً



وعاشوا بأحضانِ التنافرِ والزجرِ

وماتركوا إلا القصور منيعةً



يظنون أن الموتَ ناءٍ عن القصرِ

ولكنَّ أفعالَ الرجال هي التي



تظل شهودَ الحقِّ للماجدِ الحرِ

فإن حياةَ المرءِ منحةُ خالقٍ



وفي دفترِ الأيامِ خُطَّتْ على سطر

وإن دعاءَ الثاكلاتِ ودمعَها



يحاسبهم يومَ القيامةِ والحشر

……………

جراحُكَ يالبنانَ سالتْ بمهجتي



أنيناً ونهراً من لهيبٍ ومن جمرِ

وبتُّ على المأساةِ أشرب صابَها



فأسكر بالالامِ والأدمعِ الحمرِ

ويقتلني هَجرُ الأحبةِ والنوى



ولكنَّ حبَّ الدار أقوى من الهجرِ

تظلُّ على ريف الجفونِ وهدبها



سلافةَ أحلامٍ وطيفاً من السحرِ

ومازلتَ تحيا في الضمائرِ واحةً



وفياً كريماً خالد الاسمِ والذكر

نوائبُكَ الجلَّى وأوجاع إخوةٍ



تشقٌّ شغاف القلب بالناب والظفر

وحُبِكَ لو أني كتبتُ فواجعي

لضاق بها شعري وضاق بها نثري

عبير القوافي - جابر خير بك

شعر - من منشورات اتحاد الكتّاب العرب 2000
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى