لاتحزني

روح مشرقة

Well-known member





إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... أما بعد:

أختاه.. يا من تملك الحزن قلبها.. وكتم الهم نفسها.. وضيق صدرها.. فتكدرت بها الأحوال.. وأظلمت أمامها الامال.. فضاقت عليها الحياة على سعتها.. وضاقت بها نفسها وأيامها.. وساعتها وأنفاسها !

لا تحزني.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسي فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !

لا تحزني.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !


فالله ينعم بالبلوى يمحصنا *** من منا يرضى أو يضطرب

ماذا عساه أن يكون سبب حزنك؟ ! إن يكن سببه مرض.. فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء.. قال :
من يرد الله به خيرا يصب منه​

وقال الله جل وعلا: وإذا مرضت فهو يشفين​
[الشعراء:80].

وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفته أو خطيئة فتأملي خطاب مولاك الذي هو أرحم بك من نفسك: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا [الزمر:53].

وإن يكن سبب حزنك ظلم حل بك من زوج أو قريب أو بعيد، فقد وعدك الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل. فقال تعالى: والله لا يحب الظالمين [ال عمران:140]، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم:

وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين


وقال سبحانه:
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير​
[المجادلة:1].

وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة، فاصبري وأبشري.. قال الله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [البقرة:155].

وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد، فلست أول من يعدم الولد، ولست مسؤولة عن خلقه.

قال تعالى:
لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما​
[الشورى:50،49].

فهل أنت من شاء العقم؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك ! وهل لك لأن تعترضي على حكم الله ومشيئته ! أو هل لزوجك أو سواه أن يلومك على ذلك.. إنه إن فعل كان معترضا على الله لا عليك ومغالبا لحكم الله ومعقبا عليه..

فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !

لا تحزني.. مهما بلغ بك البلاء ! وتذكري أن ما يجري لك أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !

وإليك أختي المسلمة.. كلمات نيرة تدفعين بها الهموم.. انتقيتها لك من مشكاة النبوة لننير لك الطريق.. وتكشف عنك بإذن الله الأحزان.



أولا: كوني إبنة يومك


اجعلي شعارك في الحياة:


ما مضى فات والمؤمل غيب *** ولك الساعة التي أنت فيها


وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه​
: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) [رواه البخاري].

إنسي الماضي مهما كان أمره، انسيه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئا وإنما ينكد على يومك، ويزيدك هموما على همومك. تصوري دائمك أنك وسط بين زمنين:

الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنك.. ذهنك فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !

والثاني:
مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدرك كنهه أحد..

إذا فالماضي عدم.. والمستقبل غيب !

فلا تحطمي فؤادك بأحزان ولت.. ولا تتشاءمي بأفكار ما أحلت ! وعيشي حياتك لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوما بيوم !

تجاهلي الماضي.. وارم ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحي من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان.. ثم تجاهلي ما يخبئه الغد.. وتفائلي فيه بالأفراح.. ولا تعبري جسرا حتى تقفي عليه.

تأملي كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: اللهم

إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال

[رواه البخاري ومسلم].

فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.

أختي المسلمة.. يومك يومك تسعدي.. أشغلي فيه نفسك بالأعمال النافعة.. واجتهدي في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمري فيه لحظاتك في الصلاة.. في ذكر الله.. في قراءة القران.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير.. في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا [ال عمران:30].

يتبع




 



ثانيا: تعبدي الله بالرضى




لا تحزني.. اجعلي شعارك عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها.. اهتفي بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقك البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !

تأملي في أدب البلاء في هذه الاية:


ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

[البقرة:155-157].

استرجعي عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشري بالرحمة من الله وحده !



ثالثا: افقهي سر البلاء
لا تحزني.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. لقد خلقنا الإنسان في كبد [البلد:4].



طبعت على كدر وأنت تريدها *** خالية من الأنكاد والأكدار


هكذا الحياة خلقت مجالا للبلاء.. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك:2].. ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين [محمد:31].. إذن فسر البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب !


لا تحزني..

واستشعري في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !.. تثبتي وتأملي وتمالكي وهدئي الأعصاب.. وكأن مناديا يقول لك في خفاء هامسا ومذكرا: أنت الان في إمتحان جديد.. فاحذري الفشل.

تأملي قوله :
{ من يرد الله به خيرا يفقه في الدين }​
[رواه البخاري]، ثم قوله : { من يرد الله به خيرا يصب منه } [رواه البخاري].

فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !

فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنبا.. ويفرج به كربا.. ويمحي به عيبا.. ويحدث بعده أمرا لم يكن في الحسبان.

لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [الطلاق:1]، وفي الحديث:
{ إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط }​

[رواه البخاري].



رابعا: لا تقلقي


المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. فإن مع العسر يسرا (5)
إن مع العسر يسرا
[الشرح:6،5].

لا تحزني.. فإنما كرر الله اليسر في الاية.. ليطمئن قلبك.. وينشرح صدرك.. وقال : { لن يغلب عسر يسرين }..
العسير يعقبة اليسر.. كما الليل يعقبة الفجر..


خامسا: اجعلي همك في الله

أخية.. إذا اشتدت عليك هموم الأرض.. فاجعلي همك في السماء.. ففي الحديث:

{ من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك }

[صحيح الجامع: 6189].

لا تحزني.. فرزقك مقسوم.. وقدرك محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال..
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور​
[الحديد20].

إذا اوى إليك الهم.. فأوي به إلى الله.. والهجي بذكره: ( الله الله ربي لا أشرك به أحدا )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( رب إني مغلوب فانتصر )، فكلها أورد شرعية يغفر بها الذنب وينفرج بها الكرب.

اطلبي السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفري بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة..
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين​
[البقرة:222].

اطلبي الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القران، ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد:28]..
وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين​
[الإسراء:82]..

لا تحزني.. وافزعي إلى الله بالدعاء.. لا تعجزي ففي الحديث { أعجز الناس من عجز عن الدعاء } تضرعي إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلي بنفسك في قعر بيتك شاكية إليه.. باكية لديه.. سائلة فرجه ونصره وفتحه.. وألحي عليه.. مرة واثنتين وعشرا فهو يحب الملحين في الدعاء..


وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان [البقرة:186].

لا تحزني ولا تيأسي..
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتول الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشي لها فراش الصبر.. وهاتفيها بالدعاء والذكر.. وظني بالله خيرا.. يكن عند حسن ظنك..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى اله وصحبه أجمعين.
منقول للفائدة

 
عودة
أعلى