موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,
أَخطاءٌ لُغويّةٌ
لا يوجد سُمٌّ أفتك في حياة الشعوب من استخدام اللغة في صياغة جمل دخيلة .. وأفكار خبيثة مدسوسة ..
تصاغ في قالب المَثَل .. وتدور على كلّ لسان ..
في حالة أشبه بالبغاء اللغوي .. تنتج جملا وعبارات لقيطة .. لا يُعرف من صاغها .. ولكن تسمعها من كل إنسان ..
وتبرز في كل مناسبة .. وتلمس بعد ذلك أثرها السيّء في المجتمع الغافل .
وأيّ أثر أسوأ من أن يلجم اللسان عن النّصح والنقد .. وهما الأمران اللذان لا بُدَّ منهما لتستقيم حياة الراعي والرعية ..
فإذا نصح أحد أو انتقد وضعًا من أوضاع المجتمع قالوا:(إنه حامل السُّلم بالعَرْض).
وإذا لحقه أذى من جراء نصحه قالوا : (إنه تدخل فيما لا يعنيه) ، وكأنَّ أمر الناس لا يعني أحدًا .
وأي أثر أسوأ في المجتمع من أن يشجّع اللص والمحتال ، فإذا ظفر بغنيمته الحرام قالوا : ( حلال على الشاطر ) .
وأي أثر أسوأ من أن يرى الناس البلاء وقد عمَّهم فلا يرفع أحدهم رأسًا ولا صوتًا ؛ لأنَّ ( الموت مع الناس رحمة ) .
وأيّ زيف في الحياة وتربية على النفاق أكثر من أن يرى الناس ظالمًا لا يستطيعون الأخذ على يده ، ولا رفع الصوت لإنكار ظلمه ..
فيطأطئون له الرؤوس قائلين: (اليد التي لا تقوى عليها قبّلها وادعُ عليها بالكسر ) .
لقد قبلوا المثل والمفاهيم .. فسمّوا المخادعَ ذكيًا .. والظالم قويًا .. وصفوا طيّب القلب بالبلاهة ..
ونظروا إلى الرجل المستقيم الذي لا يميل مع الهوى على أنه إنسان غير اجتماعي ..
ورأوا في الرجل الصادق إنسانًا بعيدًا عن الكياسة والسياسة .. وسمّوا الصريح وقحًا .. والوقح جريئًا .. والقائل بالحق متهورًا .
وكان من جملة ما زيّفوا من أمر اللغة قولهم : ( الخطأ الشائع المشهور خيرٌ من الصواب المهجور ) ..
فهذا السخف المأثور فِرْيَةٌ عجيبة ..لا ندري أول من قالها .. ولكنّا نحسبه أَخْطَأَ فَنُبِّهَ على الصواب ..
فَتَفَتَّقَ خبثه عن هذا العذر القبيح ، وهو لو أخطأ في تقدير ماديّ من حقوقه ثمّ تبيّن وجه الصواب
لَلَزِمَهُ ، وقال : الرجوع إلى الحق فضيلة .. وأنّ العودة إلى الحقّ خيرٌ من التمادي في الباطل .