موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

المستطرف في كل فن مستظرف

الباب الاربعون
في الشجاعة وثمرتها والحروب وتدبيرها
وفضل الجهاد وشدة البأس والتحريض على القتال
وفيه فصلان:-

الفصل الأول في فضل الجهاد في سبيل الله وشدة البأس
قد أثنى الله تعالى على الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس وصف المجاهدين
فقال تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص )
وندب إلى جهاد الأعداء وعد عليه أفضل الجزاء والرأي في الحرب أمام الشجاعة
قال رسول الله الحرب خدعة
وقال ما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف ليل من خشيته

وسمع رجل عبد الله بن قيس رضي الله عنه يقول قال رسول الله إن الجنة تحت ظلال السيوف
فقال يابا موسى أنت سمعت رسول الله يقوله قال نعم فرجع إلى أصحابه
فقال اقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل

وكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك وتراك فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك السلامة ولاتغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون له نورا يوم القيامة

وعن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله حين انتهينا إلى خيبر الله اكبر خربت خيبر انا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وعنه رفعه لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها

وعن ابن مسعود رفعه إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل

وقيل إن انس بن النضر عم انس بن مالك رضي الله عنه لم يشهد بدرا فلم يزل متحسرا يقول أول مشهد شهده رسول الله غيبت عنه فلما كان يوم أحد قال واها لريح الجنة دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد في بدنه بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية فقالت أخته الربيع بنت النضر فما عرفت أخي إلا ببنانه

وعن فضالة بنت عبيد رفعة كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر

وعن سهل بن حنيف رفعه من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه

فنسأل الله أن يرزقنا الشهادة ويجعلنا من الذين أحسنوا فلهم الحسنى وزيادة
....
.ق2
 
المستطرف في كل فن مستظرف

يتبع الباب الاربعون
الفصل الثاني
في الشجاعة وثمرتها والحروب وتدبيرها
اعلم أن الشجاعة عماد الفضائل ومن فقدها لم تكمل فيه فضيلة
ويعبر عنها بالصبر وقوة النفس
قال الحكماء وأصل الخير كله في ثبات القلب والشجاعة عند اللقاء على ثلاثة اوجه
الوجه الاول إذا التقى الجمعان وتزاحف العسكران وتكالحت الاحداق بالأحداق برز من الصف إلى وسط المعترك يحمل ويكر وينادي هل من مبارز
والثاني إذا نشب القوم واختلطوا ولم يدر أحد منهم من اين يأتيه يكون رابط الجأش ساكن القلب حاضر اللب لم يخالطه الدهش ولا تأخذه الحيرة فينقلب تقلب المالك لأموره القائم على نفسه
والثالث إذا انهزم أصحابه يلزم الساقة ويضرب في وجوه القوم ويحول بينهم وبين عدوهم ويقوي قلوب أصحابه ويرجي الضعيف ويمدهم بالكلام الجميل ويشجع نفوسهم فمن وقع أقامه ومن وقف حمله ومن كبا به فرسه حماه حتى ييأس العدو منهم وهذا أحمدهم شجاعة
وعن هذا قالوا إن المقاتل من وراء الفارين كالمستغفر من وراء الغافلين ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحرم

وحكى أبو بكر الطرطوشي رحمة الله تعالى عليه في كتابه سراج الملوك قال كان شيوخ الجند يحكون لنا في بلادنا قالوا دارت حرب بين المسلمين والكفار ثم افترقوا فوجدوا في المعترك قطعة خودة قدر الثلث بما حوته من الرأس
فقالوا إنه لم ير قط ضربة أقوى منها ولم يسمع بمثلها في جاهلية ولا إسلام فحملتها الروم وعلقتها في كنيسة لهم فكانوا إذا عيروا بانهزامهم يقولون لقينا أقواما هذا ضربهم فيرحل أبطال الروم إليها ليروها

قالوا ومن الحزم أن لا يحتقر الرجل عدوه وإن كان ذليلا ولا يغفل عنه وإن كان حقيرا فكم برغوث أسهر فيلا ومنع الرقاد ملكا جليلا
قال الشاعر:
( فلا تحقرن عدوا رماك ... وإن كان في ساعديه قصر )
( فإن السيوف تحز الرقاب ... وتعجز عما تنال الإبر )
.....
.ق2
 
المستطرف في كل فن مستظرف

يتبع الباب الاربعون
الفصل الثاني
في الشجاعة وثمرتها والحروب وتدبيرها
واعلموا ان الناس قد وضعوا في تدبير الحروب كتبا ورتبوا فيها ترتيبا ولنصف منها أشياء نبدأ منها أولا بما ذكره الله تعالى في القران العظيم
قال الله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم )
فقوله تعالى ( ما استطعتم ) مشتمل على كل ما هو مقدور البشر من العدة والالة والحيلة

وفسر النبي القوة حين مر على اناس يرمون فقال ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي

وأفضل العدة أن تقدم بين يدي اللقاء عملا صالحا من صدقة وصيام ورد المظالم وصلة الرحم ودعاء مخلص
وأمر بمعروف ونهى عن منكر وأمثال ذلك والشأن كل الشأن في استجادة القواد وانتخاب الأمراء وأصحاب الألوية

فقد قالت حكماء العجم أسد يقود ألف ثعلب خير من ثعلب يقود ألف أسد
فلا ينبغي أن يقدم الجيش إلا الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة والجرأة ثابت الجأش صارم القلب صادق البأس ممن قد توسط الحروب ومارس الرجال ومارسوه ونازل الاقران وقارع الابطال عارفا بمواضع الفرص خبيرا بمواضع القلب والميمنة والميسرة من الحروب فإنه إذا كان كذلك وصدر الكل عن رأيه كانوا جميعا كأنهم مثله فإنه إن رأى لقراع الكتائب وجها وإلا رد الغنم إلى الزربية

واعلم أن الحرب خدعة عند جميع العقلاء
وكان عظماء الترك يقولون ينبغي للعاقل العظيم للقياد أن يكون فيه عدة أخلاق من البهائم شجاعة الديك وبحث الدجاجة وقلب الاسد وحملة الخنزير وروغان الثعلب وصبر الكلب على الجراح وحراسة الكركي وغارة الذئب وسمن نغير وهي دويبة تكون بخراسان تسمن على التعب والشقاء

وكان يقال اشد خلق الله تعالى عشرة الجبال والحديد ينحت الجبال والنار تأكل الحديد والماء يطفيء النار والسحاب يحمل الماء والريح تصرف السحاب
الإنسان يتقي الريح بجناحيه والسكر يصرع الانسان والنوم يذهب السكر والهم يمنع النوم فأشد خلق ربك الهم
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن
...
.ق2
 
المستطرف في كل فن مستظرف

يتبع الباب الاربعون
الفصل الثاني
في الشجاعة وثمرتها والحروب وتدبيرها
ومن الحيل في الحرب أن يبث جواسيسه في عسكر عدوه ليستعلم أخبارهم ويستميل قلوب رؤسائهم وذوي الشجاعة منهم فيدس إليهم ويعدهم وعدا جميلا ويقوي أطماعهم في نيل ما عنده من الهبات الفخيمة والولايات السنية وإن رأى وجها عاجلهم بالهدايا وسامهم إما الغدر بصحبهم وإما الأعتزال وقت اللقاء ويكتب على السهام أخبارا مزورة ويرمي بها في جيوشهم

واعلم أن الحيلة لا ترد القضاء والقدر وأن الدول إذا زالت صارت حيلتها وبالا عليها وإذا أذن الله تعالى في حلول البلاء كانت الافة في الحيلة وقال الحكماء إذا نزل القضاء كان العطب في الحيلة ويغلب الضعف بإقبال دولته كما يغلب القوي ببقاء مدته
فمن الحزم المألوف عند سواس الحروب أن تكون حماة الرجال وكماة الابطال في القلب فإنه إذا انكسر الجناحان كانت العيون ناظرة إلى القلب فإذا كانت رايته تخفق وطبوله تضرب كان حصنا للجناحين يأوي إليه كل منهزم وإذا انكسر القلب تمزق الجناحان
مثال ذلك أن الطائر إذا انكسر احد جناحيه ترجى عودته ولو بعد حين وإذا انكسر الرأس ذهب الجناحان
وقل عسكر انكسر قلبه فأفلح أوتراجع اللهم إلا ان تكون مكيدة من صاحب الجيش فيخلي القلب قصدا وتعمدا حتى إذا توسطه العدو واشتغل بنهبه انطلق عليه الجناحان
فقد فعل ذلك رجال من اهل الحروب

ويقال حبب إلي عدوك الفرار بأن لا تتبعهم إذا انهزموا
ويقال الشجاع محبب حتى إلى عدوه والجبان مبغض حتى إلى أمه

ولما أقبل كسرى بن هرمز إلى محاربة بهرام قال له صاحبه أما تستعد قال عدتي ثبات قلبي وإصابة رأيي ونصل سيفي ونصرة خالقي

وخرج يزيد بن عبدالملك من بعض مقاصيره وعليه درع وذلك في أيام قتال يزيد بن المهلب
فأنشده مسلمة قول الحطيئة:
( قوم إذا حاربوا شدوا مازرهم ... دون النساء ولو باتت باطهار )
فقال يزيد إنما ذاك إذاحاربنا أكفاءنا وأما مثل هذا ونظرائه فلا فقام إليه مسلمة فقبله بين عينية

وقيل لما مات ملك الفرس أرادوا أن يملكوا عليهم رجلا من ال ساسان فوفد عليهم بهرام جور فقال اعمدوا إلى أسدين جائعين فاطرحوا بينهما التاج فمن أخذه فهو الملك ففعلوا فدنا منهما فأهويا نحوه فأخذ برأس أحدهما فأدناه من رأس الاخر ثم نطحه به فقتلهما جميعا وشد على التاج فأخذه وضعه على رأسه وملكته الفرس عليهم
....
.ق2
 
عودة
أعلى