موسوعة عبير الثقافية ..(مفهرسة),,

الفصل الخامس في الحج وفضله

الفصل الخامس في الحج وفضله


قال الله تعالى (
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
وقال رسول الله من خرج من بيته حاجا أو معتمرا فمات أجرى الله له أجر الحاج والمعتمر إلى يوم القيامة
وقال من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا

وفي الحديث إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة وفيه أعظم الناس ذنوبا من وقف بعرفة فظن أن الله لم يغفر له
وهو أفضل يوم في الدنيا
وفي الخبر إن الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة وأنه يبعثه الله يوم القيامة وله عينان ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق وصدق

وجاء في الحديث الصحيح أن ادم عليه الصلاة و السلام لما قضي مناسكة لقيته الملائكة فقالوا يا ادم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام

وقال مجاهد أن الحجاج إذا قدموا مكة لحقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمر واعتنقوا المشاة اعتناقا

وكان من سنة السلف رضي الله عنهم أن يشيعوا الغزاة ويستقبلوا الحجاج ويقبلوهم بين أعينهم ويسألوهم الدعاء لهم ويبادروا ذلك قبل أن يتدنسوا بالاثام

وعن النبي أن الله قد وعد هذا البيت أن يحجه كل سنة ستمائة ألف فإن نقصوا كملهم الله تعالى من الملائكة وإن الكعبة تحشر كالعروس المزفوفة
فكل من حجها يتعلق بأستارها ويسعى حولها حتى تدخل الجنة فيدخل معها

وحكي أن جميلة الموصلية بنت ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حجت سنة ست وثمانين وثلاثمائة فصارت تاريخا مذكورا قيل إنها سقت أهل الموسم كلهم السويق بالطبرزد والثلج
واستصحبت البقول المزروعة في المراكن على الجمال وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين ونثرت على الكعبة عشرة الاف دينار ولم تستصبح فيها وعندها إلا بشموع العنبر
وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية وأغنت الفقراء والمجاورين

ولما بنى ادم عليه الصلاة و السلام البيت وقال يا رب إن لكل عامل أجرا فما أجر عملي قال إذا طفت به غفرت لك ذنوبك
قال زدني قال جعلته قبلة لك ولأولادك قال يا رب زدني قال أغفر لكل من استغفرني من الطائفين به من أهل التوحيد من أولادك قال يا رب حسبي

وفي الحديث الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وقيل للحسن ما الحج المبرور قال أن ترجع زاهدا في الدنيا راغبا في الاخرة

وأول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير وكانت كسوتها المسوح والإنطاع وكان يطيبها حتى يوجد ريحها من خارج الحرم
وكان حكيم بن حزام يقيم عشية عرفه مائة بدنة ومائة رقبة فيعتق الرقاب عشية عرفة وينحر البدن يوم النحر
وكان يطوف بالبيت فيقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعم الرب ونعم الإله أحبه وأخشاه

ورؤي الحسن بن علي رضي الله عنهما يطوف بالبيت ثم صار إلى المقام فصلى ركعتين ثم وضع خده على المقام
فجعل يبكي ويقول عبيدك ببابك خويدمك ببابك سائلك ببابك مسيكينك ببابك يردد ذلك مرارا ثم انصرف رضي الله عنه
فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون فسلم عليهم فدعوه إلى الطعام فجلس معهم وقال لولا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال
قوموا بنا إلى منزلي فتوجهوا معه فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم

وحج عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ومعه ثلاثون راحلة وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات فأعتق ثلاثين
مملوكا وحملهم على ثلاثين راحلة وأمر لهم بثلاثين ألفا وقال أعتقهم لله تعالى لعله يعتقني من النار
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى من المدينة إلى مكة عشرين مرة

ومن لطيف ما أنشد عمرو بن حبان الضرير حين لم يهد إليه الحجاج شيئا
( كأن الحجيج الان لم يقربوا منى ... ولم يحملوا منها سواكا ولا نعلا )
( أتونا فما جادوا بعود أراكة ... ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا )

وقال غيره
( يحجون بالمال الذي يجمعونه ... حراما إلى البيت العتيق المحرم )
( ويزعم كل منهمو أن وزره ... يحط ولكن فوقه في جهنم )

وقال اخر
( حج في الدهر حجة ... حج فيها وأحرما )
( وأتانا من الحجاز ... ز كما راح محرما )
( فهو ذو الحجة الذي ... ما توقى محرما )


وتخاصم بدوي مع حاج عند منصرف الناس فقيل له أتخاصم رجلا من الحجاج فقال
( يحج لكيما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب )
وقال أبو الشمقمق
( إذا حججت بمال أصله دنس ... فما حجت ولكن حجت العير )
( ما يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور )

والله سبحانه وتعالى أعلم
..
يتبعق2
 
يتبع كتاب المستطرف في كل فن مستظرف...الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك

نص الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز ومنزل خطابه الوجيز على شرف العقل
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال وأوضحها وبين بدائع مصنوعاته وشرحها
فقال تعالى ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لايات لقوم يعقلون )

وروي عن النبي أنه قال أول ما خلق الله تعالى العقل فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال عز من قائل
وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك بك اخذ وبك أعطي وبك أحاسب وبك أعاقب

وقال أهل المعرفة والعلم العقل جوهر مضيء خلقه الله عز و جل في الدماغ وجعل نوره في القلب يدرك به المعلومات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة

واعلم أن العقل ينقسم إلى قسمين
قسم لا يقبل الزيادة والنقصان وقسم يقبلهما
فأما الأول فهو العقل الغريزي المشترك بين العقلاء وأما الثاني فهو العقل التجريبي وهو مكتسب وتحصل زيادته بكثرة التجارب والوقائع
وباعتبار هذه الحالة يقال أن الشيخ أكمل عقلا وأتم دراية وإن صاحب التجارب أكثر فهما وأرجح معرفة ولهذا قيل من بيضت الحوادث سواد لمته وأخلقت التجارب لباس جدته
وأراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره وأقضيته كان جديرا برزانة العقل ورجاحة الدراية وقد يخص الله تعالى بألطافه الخفية من يشاء من عباده

فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل وزيادة معرفة تخرجه عن حد الاكتساب ويصير بها راجحا على ذوي التجارب والاداب

ويدل على ذلك قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام فيما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز حيث
يقول ( واتيناه الحكم صبيا )
فمن سبقت له سابقة من الله تعالى في قسم السعادة وأدركته عناية أزلية أشرقت على باطنه أنوار ملكوتية وهداية ربانية فاتصف بالذكاء والفطنة قلبه وأسفر عن وجه الإصابة ظنه

وإن كان حديث السن قليل التجربة كما نقل في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وهو صبي حيث رد حكم أبيه داود عليه السلام في أمر الغنم والحرث
وشرح ذلك فيما نقله المفسرون أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب غنم والاخر صاحب حرث فقال أحدهما إن هذا دخلت غنمه بالليل إلى حرثي فأهلكته وأكلته ولم تبق لي فيه شيئا
فقال داود عليه السلام الغنم لصاحب الحرث عوضا عن حرثه
فلما خرجا من عنده مرا على سليمان عليه السلام وكان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشر سنة فقال لهما ما حكم بينكما الملك فذكرا له ذلك فقال غير هذا أرفق بالفريقين
فعادا إلى داود عليه السلام وقالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام فدعاه داود عليه السلام وقال له ما هو الأرفق بالفريقين
فقال سليمان تسلم الغنم إلى صاحب الحرث وكان الحرث كرما قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها وينتفع بدرها ونسلها ويسلم الكرم إلى صاحب الأغنام
ليقوم به فإذا عاد الكرم إلى هيئته وصورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها وتسلم كرمه كما كان بعناقيده وصورته
فقال له داود القضاء كما قلت وحكم به كما قال سليمان عليه السلام وفي هذه القصة نزل
قوله تعالى ( وداود وسليمان إن يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما )


فهذه المعرفة والدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة وطول المدة بل حصلت بعناية ربانية وألطاف إلهية وإذا قذف الله تعالى شيئا من أنوار مواهبه في قلب من يشاء من خلقه
اهتدى إلى مواقع الصواب ورجح على ذوي التجارب والاكتساب في كثير من الأسباب ويستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه وما يصدر عنه

فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام فأقول يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها
..ميله إلى محاسن الأخلاق وإعراضه عن رذائل الأعمال ورغبته في إسداء صنائع المعروف وتجنبه ما يكسبه عارا ويورثه سوء السمعة
....
يتبعق2
 
يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك


وقد قيل لبعض الحكماء بم يعرف عقل الرجل

فقال بقلة سقطه في الكلام وكثرة إصابته فيه فقيل له فإن كان غائبا فقال بإحدى ثلاث إما برسوله وإما بكتابه وإما بهديته
فإن رسوله قائم مقام نفسه وكتابه يصف نطق لسانه وهديته عنوان همته فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها

وقيل من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل حسن مداراته للناس ويكفي أن حسن المداراة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه

فإنه روي عن النبي أنه قال من حرم مداراة الناس فقد حرم التوفيق
فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق وقالوا العاقل الذي يحس المداراة مع أهل زمانه
وقال رسول الله الجنة مائة درجة تسعة وتسعون منها لأهل العقل واحدة لسائر الناس

وقال علي بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله

وقيل بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس وكل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا وقيل لكل شيء غاية وحد والعقل لا غاية له ولا حد

ولكن الناس يتفاوتون فيه تفاوت الأزهار في المروج واختلف الحكماء في ماهيته

فقال قوم هو نور وضعه الله طبعا وغريزة في القلب كالنور في العين وهو يزيد وينقص ويذهب ويعود وكما يدرك بالبصر شواهد الأمور
كذلك يدرك بنور القلب المحجوب والمستور وعمى القلب كعمى البصر

قال الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور )

وقيل محل العقل الدماغ وهو قول أبو حنيفة رحمه الله تعالى وذهب جماعة إلى أنه في القلب كما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى واستدلوا
بقوله تعالى ( فتكون لهم قلوب يعقلون بها )
وبقوله تعالى ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب )


أي عقل وقالوا التجربة مراة العقل ولذلك حمدت أراء المشايخ حتى قالوا المشايخ أشجار الوقار لا يطيش لهم سهم ولا يسقط لهم فهم وعليكم باراء الشيوخ
فإنهم إن عدموا ذكاء الطبع فقد أفادتهم الأيام حيلة وتجربة

قال الشاعر
( ألم تر أن العقل زين لأهله ... ولكن تمام العقل طول التجارب )
وقال اخر
( إذا طال عمر المرء في غير افة ... أفادت له الأيام في كرها عقلا )

وقال عامر بن عبد قيس إذا عقلك عقلك عما لا يعنيك فأنت عاقل

ويقال لا شرف إلا شرف العقل ولا غنى إلا غنى النفس وقيل يعيش العاقل بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته حيث كان

قال الشاعر
( إذا لم يكن للمرء عقل فإنه ... وإن كان ذا بيت على الناس هين )
( ومن كان ذا عقل أجل لعقله ... وأفضل عقل من يتدين )
...
يتبعق2
 
يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق وذمه وغير ذلك




وقالوا
العاقل لا تبطره المنزلة السنية كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح


والجاهل تبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أدنى ريح


وقيل لعلي رضي الله عنه صف لنا العاقل قال هو الذي يضع الشيء مواضعه قيل فصف لنا الجاهل قال قد فعلت يعني الذي لا يضع الشيء مواضعه

وقال المنصور لولده خذ عني ثنتين لا تقل من غير تفكير ولا تعمل بغير تدبير

وقال أدرشير أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب والسرور إلى الأمن والقرابة إلى المودة والعقل إلى التجربة

وقال كسرى أنو شروان أربعة تؤدي إلى أربعة العقل إلى الرياسة والرأي إلى السياسة والعلم إلى التصدير والحلم إلى التوقير

وقال القاسم بن محمد من لم يكن عقله أغلب الخصال عليه كان حتفه من أغلب الخصال عليه

وقيل أفضل العقل معرفة العاقل بنفسه
وقيل ثلاثة هن رأس العقل مداراة الناس والاقتصاد في المعيشة والتجبب إلى الناس
وقيل من أعجب برأي نفسه بطل رأيه ومن ترك الاستماع من ذوي العقول مات عقله

وعن عمرو ابن العاص رضي الله تعالى عنه أنه قال أهل مصر أعقل الناس صغارا وارحمهم كبارا

وقيل العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق
وقيل لا ينبغي للعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت ولا طعاما حتى يستمرئه ولا يثق بخليل حتى يستقرضه
وقيل طول اللحية أمان من العقل

وسئل بعضهم أيما أحمد في الصبا الحياء أم الخوف قال الحياء لأن الحياء يدل على العقل والخوف يدل على الخبن
وقيل غضب العاقل على فعله وغضب الجاهل على قوله

وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه قال لي رسول الله يا عويمر ازدد عقلا تزدد من الله تعالى قربا قلت بأبي وأمي ومن لي بالعقل
قال اجتنب محارم الله تعالى وأد فرائض الله تعالى تكن عاقلا ثم تنقل إلى صالح الأعمال تزدد في الدنيا
عقلا وتزدد من الله قربا وعزا

وحكى بعض أهل المعرفة قال حياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة القلب بالعقل وحياة العقل بالعلم

ويروي عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه أنه كان ينشد هذه الأبيات
ويترنم بها
( إن المكارم أخلاق مطهرة ... فالعقل أولها والدين ثانيها )
( والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والعرف ساديها )
( والبر سابعها والصبر ثامنها ... والشكر تاسعها واللين عاشيها )
( والعين تعلم من عيني محدثها ... إن كان من حزبها أو من أعاديها )
( والنفس تعلم أني لا أصدقها ... ولست أرشد إلا حين أعصيها )
...
يتبعق2
 
يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

وقال بعض الحكماء
العاقل من عقله في إرشاد ورأيه في إمداد فقوله سديد وفعله حميد


والجاهل من جهله في إغراء فقوله سقيم وفعله ذميم


ولا يكتفي في الدلالة على عقل الرجل الاغترار بحسن ملبسه وملاحة سمته وتسريح لحيته وكثرة صلفته ونظافة بزته
إذ كم من كنيف مبيض وجلد مفضض

وقد قال الأصمعي رأيت بالبصرة شيخا له منظر حسن وعليه ثياب فاخرة وحوله حاشية وهرج وعنده دخل وخرج فأردت أن اختبر عقله فسلمت عليه
وقلت ما كنية سيدنا فقال أبو عبد الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
قال الأصمعي فضحكت منه وعلمت قلة عقله وكثرة جهله ولم يدفع ذلك عنه غرارة خرجه ودخله
وقد يكون الرجل موسوما بالعقل مرموقا بعين الفضل فيصدر منه حالة تكشف عن حقيقة حاله وتشهد عليه بقلة عقله واختلاله

وقيل إن إياس بن معاوية القاضي كان من أكابر العقلاء وكان عقله يهديه إلى سلوك طرق لا يكاد يسلكها من لم يهتد إليها
فكان من جملة الوقائع التي صدرت منه وشهدت له بالعقل الراجح والفكر القادح
أنه كان في زمانه رجل مشهور بين الناس بالأمانة فاتفق أن رجلا أراد أن يحج فأودع عند ذلك الرجل الأمين كيسا فيه جملة من الذهب ثم حج
فلما عاد من حجه جاء إلى ذلك الرجل وطلب كيسه منه فأنكره وجحده
فجاء إلى القاضي إياس وقص عليه القصة فقال القاضي هل أخبرت بذلك أحدا غيري
قال لا قال فهل علم الرجل أنك أتيت إلي قال لا قال انصرف وأكتم أمرك ثم عد إلي بعد غد فانصرف
ثم إن القاضي دعا ذلك الرجل المستودع فقال قد حصل عندي أموال كثيرة ورأيت أن أودعها عندك فاذهب وهيىء لها موضعا حصينا
فمضى ذلك الرجل وحضر صاحب الوديعة بعد ذهاب الرجل فقال له القاضي إياس امض إلى خصمك واطلب منه وديعتك
فإن جحدك فقل له امض معي إلى القاضي إياس أتحاكم أنا وأنت عنده
فلما جاء إليه دفع إليه وديعته فجاء إلى القاضي وأعلمه بذلك ثم إن ذلك الرجل المستودع جاء إلى القاضي طامعا في تسليم المال
فسبه القاضي وطرده
وكانت هذه الواقعة مما تدل على عقله وصحة فكره
...
يتبعق2
 
يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

بعد موت الخلفاء
ولما مات بعض الخلفاء اختلفت الروم واجتمعت ملوكها

فقال الان يشتغل المسلمون بعضهم ببعض فتمكننا الغرة منهم والوثبة عليهم وعقدوا لذلك المشورات وتراجعوا فيه بالمناظرات
وأجمعوا على أنه فرصة الدهر
وكان رجل منهم من ذوي العقل والمعرفة والرأي غائبا عنهم فقالوا من الحزم عرض الرأي عليه
فلما أخبروه بما أجمعوا عليه قال لا أرى ذلك صوابا
فسألوه عن علة ذلك فقال في غد أخبركم إن شاء الله تعالى
فلما أصبحوا أتوا إليه وقالوا قد وعدتنا أن تخبرنا في هذا اليوم بما عولنا عليه
فقال سمعا وطاعة وأمر بإحضار كلبين عظيمين كان قد أعدهما ثم حرض بينهما وحرض كل واحد منهما على الاخر فتواثبا وتهارشا حتى سالت دماؤهما
فلما بلغا الغاية فتح باب بيت عنده وارسل على الكلبين ذئبا كان قد أعده لذلك فلما أبصراه تركا ما كانا عليه
وتألفت قلوبهما و وثبا جميعا على الذئب فقتلاه
فأقبل الرجل على أهل الجمع فقال مثلكم مع المسلمين مثل هذا الذئب مع الكلاب
لا يزال الهرج بين المسلمين ما لم يظهر لهم عدو من غيرهم
فإذا ظهر تركوا العداوة بينهم وتألفوا على العدو
فاستحسنوا قوله واستصوبوا رأيه فهذه صفة العقلاء

وأما ذم الأحمق فقد قال ابن الأعرابي الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت
فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور

والحق غريزة لا تنفع فيها الحيلة وهو داء دواؤه الموت

قال الشاعر
( لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها )
...
يتبعق2
 
يتبع,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

والحمق مذموم

قال رسول الله الأحمق أبغض الخلق إلى الله تعالى إذ حرمه أعز الأشياء عليه وهو العقل

ويستدل على صفة الأحمق من حيث الصورة بطول اللحية لأن مخرجها من الدماغ فمن افرط طول لحيته قل دماغه
ومن قل دماغه قل عقله ومن قل عقله فهو أحمق
وأما صفته من حيث الأفعال فترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه والعجب وكثرة الكلام وسرعة الجواب
وكثرة الالتفات والخلو من العلم والعجلة والخفة والسفه والظلم والغفلة والسهو والخيلاء
إن استغنى بطر وإن افتقر قنط وإن قال أفحش وإن سئل بخل وإن سأل ألح وإن قال لم يحسن وإن قيل له لم يفقه
وإن ضحك قهقه وإن بكى صرخ وإن اعتبرنا هذه الخلال وجدناها في كثير من الناس
فلا يكاد يعرف العاقل من الأحمق

قال عيسى عليه السلام عالجت الأبرص والأكمة فأبرأتهما وعالجت الأحمق فأعياني والسكوت عند الأحمق جوابه

ونظر بعض الحكماء إلى أحمق على حجر فقال حجر على حجره

وحكي أن احمقين اصطحبا في طريق فقال أحدهما للاخر تعال نتمن على الله فإن الطريق تقطع بالحديث
فقال أحدهما أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها
وقال الاخر أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منها شيئا
قال ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة
فتصايحا وتخاصما واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق
ثم تراضيا من أن أول من يطلع عليهما يكون حكما بينهما فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقان من عسل
فحدثاه بحديثهما
فنزل بالزقين وفتحهما حتى سال العسل على التراب قال صب الله دمي مثل هذا العسل إن لم تكونا أحمقين .
...
يتبعق2
 
نهاية,الباب الثاني في العقل والذكاء والحمق

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت السماء وأعشبت الأرض
فرأى حماره يرعي في ذلك العشب فقال يا رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري هذا
فبلغ ذلك بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
فهم أن يدعو عليه
فأوحى الله إليه لا تدع عليه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم

ويقال فلان ذو حمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه

وخطب سهل هند ابنة عتبة فحمقته
فقال :
( وما هوجي يا هند إلا سجية ... أجر لها ذيلي بحسن الخلائق )
( ولو شئت خادعت الفتى عن قلوصه ... ولا طمت في البطحاء من كل طارق )

ويقال للابله السليم القلب هو من بقر الجنة لا ينطح ولا يرمح
والأحمق المؤذي هو من بقر سقر

والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
،
نهاية الباب الثاني..
....
..
يتبع مع الباب الثالث
في القران وفضله وحرمته وما اعد الله لقارئه
ق2​
 
الباب الثالث في القرآن وفضله وحرمته

الباب الثالث في القران وفضله وحرمته
وما أعد الله تعالى لقارئه من الثواب العظيم والأجر الجسيم

قال الله تعالى ( ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مذكر )
وسمى الله تعالى القران كريما فقال تعالى ( إنه لقران كريم )
وسماه حكيما فقال تعالى ( يس والقران الحكيم )
وسماه مجيدا فقال تعالى ( ق والقران المجيد )

انزله الله تعالى على سيد الأنام وخاتم الانبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام
فكان من أعظم معجزاته أن اعجز الله الفصحاء عن معارضته وعن الاتيان باية من مثله
قال تعالى ( قل فأتوا بسورة من مثله )
وقال تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القران لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )

فهو النور المبين والحق المستبين لا شيء أسطع من أعلامه ولا أصدع من أحكامه ولا أفصح من بلاغته ولا أرجح من فصاحته
ولا أكثر من إفادته ولا ألذ من تلاوته .

قال رسول الله القران فيه خبر من قبلكم ونبأ من بعدكم وحكم ما بينكم
وقال أيضا البيوت بيت صغر من كتاب الله تعالى

وقال الشعبي الذي يقرأ القران إنما يحدث عن ربه عز و جل

وفد غالب ابن صعصعة على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعه ابنه الفرزدق فقال له من أنت قال غالب بن صعصعة
قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال فما فعلت بإبلك قال أذهبتها النوائب وزعزعتها الحقوق
قال ذلك خير سبلها
ثم قال له يا أبا الأخطل من هذا الذي معك قال ابني وهو شاعر
قال علمه القران فهو خير له من الشعر فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه والى على نفسه
ان لا يحل قيده حتى يحفظ القران فحفظه في سنة
وفي ذلك قال
( وما صب رجلي في حديد مجاشع ... مع القيد إلا حاجة لي اريدها )
...
يتبعق2
 
الباب الثالث في القرآن وفضله\2


وقال أنس رضي الله عنه قال رسول الله
يا بني لا تغفل عن قراءة القران إذا أصبحت وإذا أمسيت فإن القران يحيي القلب الميت وينهي عن الفحشاء والمنكر

وحكي الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار قال ومن حكايات الحشوية ما قيل إن إبراهيم الخواص مر بمصروع فأذن في اذنه
فناداه الشيطان من جوفه دعني اقتله فإنه يقول القران مخلوق

وكان سفيان الثورى رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القران
وكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان يفر من مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على القراءة في المصحف
وكان أبو حنيفة والشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمه

وقال علي رضي الله تعالى عنه من قرأ القران فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ ايات الله هزوا وقال الشعبي اللسان عدل على الأذن والقلب فاقرأ قراءة تسمعها اذنك ويفهمها قلبك

وقال رسول الله من قرأ القران ثم رأى أن أحدا أوتي فقد استصغر ما عظم الله
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله وما جلاؤها قال قراءة القران وذكر الموت

وقال عمر بن ميمون من نشر مصحفا حين يصلي الصبح فقرأ مائة اية رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا

وقال علي كرم الله وجهه من قرأ القران وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة ومن قرأه وهو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة
ومن قرأه في غير صلاة وهو على وضوء فخمسة وعشرون حسنة ومن قرأه على غير وضوء فعشر حسنات

وقال ابن عباس رضي الله عنهما لأن أقرأ البقرة وال عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن أقرأ القران كله هذرمة

وقال رسول الله اقرؤا القران وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا

وعن صالح المزني قال قرأت القران على رسول الله في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء

وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم
وليلة الأثنين بطه إلى طسم نبأ موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس

وعن علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في قراءة لا تدبر فيها

وكان عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه ولعن أباه إذا نشر المصحف أغمى عليه
ويقول هو كلام ربي.
...
يتبعق2
 
يتبع,كتاب المستطرف..... الباب الثالث في فضل القرآن\3

وأبطأت عائشة رضي الله عنها على رسول الله ليلة
فقال ما حبسك قالت قراءة رجل ما سمعت أحسن صوتا منه فقام فاستمع إليه طويلا ثم
قال هذا سالم مولى ابي حذيفة الحمد الله الذي جعل في أمتي مثله .

وقال ابن عيينة رأيت رسول الله في المنام فقلت يا رسول الله قد اختلفت علي القرات فعلى قراءة من تأمرني فقال على قراءة أبي عمرو

وعن أبي عمرو أني لم أزل أطلب أن أقرأه كما قرأه رسول الله وكما أنزل عليه فقدمت مكة فلقيت بها عدة من التابعين ممن قرأ على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
فقرأت عليهم فاشدد بها يدك فينبغي للإنسان أن يحافظ على تلاوة القران ليلا ونهارا سفرا وحضرا

وقال الشيخ محي الدين النو وي رحمه الله تعالى في كتابه الإذكار قد كان للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه
فكانت جماعة منهم يختمون في كل شهر ختمة واخرون في كل شهر عشر ليال ختمة واخرون في كل ثلاث ليال ختمة
وكان كثيرون في كل يوم وليلة ختمة وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين وختم بعضهم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار

وروي أن مجاهدا رحمه الله تعالى كان يختم القران في شهر رمضان فيما بين المغرب والعشاء

وأما الذين ختموا القران في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمنهم عثمان بن عفان
وتميم الداري وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم

وروينا في مسند الإمام المجمع على حفظه وجلاله وإتقانه وبراعته ابي محمد الدارمي رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
قال إذا وافق ختم القران أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإذا وافق أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي قال الدارمي هذا حديث حسن عن سعد

وأفضل القراءة ما كان في الصلاة
وأما في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل والنصف الأخير منه أفضل من الأول
والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة وأما قراءة النهار فأفضلها بعد الصبح
ولا كراهة في وقت من الأوقات ولا في أوقات النهي عن الصلاة

ويستحب الاجتماع عند الختم لحصول البركة
وقيل أن الدعاء يستجاب عند ختم القران وإن الرحمة تنزل عند ختمه
ويستحب الدعاء عقب الختم استجابا مؤكدا تأكيدا شديدا .
...
يتبعق2
 
التعديل الأخير:
الباب الثالث في القرآن وفضله\4

وقد جاء في
فضل القران أحاديث كثيرة

وروي في فضل قراءة سور من القران في اليوم والليلة فضل كبير
منها يس وتبارك الملك والواقعة والدخان

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال من قرأ يس في يوم وليلة ابتغاء وجه الله تعالى غفر له
وفي رواية له من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح مغفورا له

وفي رواية عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم سمعت رسول الله يقول من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقه

وعن جابر رضي الله عنه قال كان رسول الله لا ينام كل ليلة حتى يقرأ ألم تنزيل الكتاب وتبارك الملك

وعن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال من قرأ في ليلة إذا زلزلت الأرض كانت له كعدل نصف القران
ومن قرأ قل يا أيها الكافرون كانت له كعدل ربع القران
ومن قرأ قل هو الله أحد كانت له كعدل الثلث

والأحاديث بنحو ما ذكرناه كثيرة
وقد أشرنا إلى المقاصد منها والله تعالى أعلم بالصواب
،

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
انتهى باب فضل القران ولن ينتهي فضله بإذن الله,
..
يتبع
والباب الرابع في العلم والادب وفضل العالم والمتعلم
يتبعق2
 
الباب الرابع في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم:-

الباب الرابع في العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم:-

قال الله تعالى ( إنما يخشي الله من عباده العلماء )
وقال تعالى ( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله تعلموا العلم فإن تعلمه لله حسنة ودراسته تسبيح والبحث عنه جهاد وطلبه عبادة وتعليمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام وبيان سبيل الجنة والمؤنس في الوحشة والمحدث في الخلوة والجليس في الوحدة والصاحب في الغربة والدليل على السراء والمعين على الضراء والزين عند الاخلاء والسلاح على الأعداء بالعلم يبلغ العبد منازل الأخيار في الدرجات العلى ومجالسة الملوك في الدنيا ومرافقة الأبرار في الاخرة والفكر في العلم يعدل الصيام ومذاكرته تعدل القيام وبالعلم توصل الأرحام وتفصل الأحكام وبه يعرف الحلال والحرام وبالعلم يعرف الله ويوحد وبالعلم يطاع الله ويعبد.
قيل العلم درك حقائق الأشياء مسموعا ومعقولا وقال النبي خير الدنيا والاخرة مع العلم وشر الدنيا والاخرة مع الجهل وعنه عليه الصلاة والسلام يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الاخر ولغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به يبشر بالجنة ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة.
وقال علي كرم الله وجهه أقل الناس قيمة أقلهم علما وقال أيضا رضي الله عنه العلم نهر والحكمة بحر العلماء حول النهر يطوفون والحكماء وسط البحر يغوصون والعارفون في سفن النجاة يسيرون وقال موسى عليه السلام في مناجاته إلهي من أحب الناس إليك قال عالم يطلب علما وقال بعض السلف رضي الله عنهم العلوم أربعة الفقه للأديان والطب للأبدان والنجوم للأزمان والنحو للسان وقيل العالم طبيب هذه الأمة والدنيا داؤها فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرىء غيره
وسئل الشعبي عن مسألة فقال لا علم لي بها فقيل له لا تستحي فقال ولم أستحي مما لم تستح الملائكة منه حين قالت لا علم لنا وعن النبي فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وروي كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وقال علي كرم الله وجهه من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه وقيل مؤدب نفسه ومعلمها أحق بالإجلال من مؤدب الناس ومعلمهم وأنشدوا:
( يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم )
( تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم )
( ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبدا وأنت من الرشاد عديم )
( فابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم )
( فهناك يقبل ما تقول ويهتدى ... بالقول منك وينفع التعليم )
( لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم )
وقال بعضهم:
( إني رأيت الناس في عصرنا ... لا يطلبون العلم للعلم )
( إلا مباهاة لأصحابه ... وعدة للغش والظلم )
يتبعق2
 
الباب الرابع في العلم والأدب

نظر رجل إلى امرأته وهي صاعدة في السلم فقال لها أنت طالق إن صعدت وطالق إن نزلت وطالق إن وقفت فرمت نفسها إلى الأرض
فقال لها فداك أبي وأمي إن مات الإمام مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم وقال النبي هلاك أمتي في شيئين ترك العلم وجمع المال وسئل رسول الله عن أفضل الأعمال فقال العلم بالله والفقه في دينه وكررها عليه فقال يا رسول الله أسألك عن العمل فتخبرني عن العلم فقال إن العلم ينفعك معه قليل العمل وإن الجهل لا ينفعك معه كثير العمل وقال عيسى عليه السلام من علم وعمل عد في الملكوت الاعظم عظيما.
وقال الخليل عليه السلام العلوم أقفال والأسئلة مفاتيحها وعنه عليه السلام زلة العالم مضروب بها الطبل وزلة الجاهل يخفيها الجهل وقال الحسن رأيت أقواما من أصحاب رسول الله يقولون من عمل بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه والعامل بغير علم كالسائر على غير طريق فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بالعبادة واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم وقال يزيد بن ميسرة من أراد بعلمه وجه الله تعالى أقبل الله بوجهه وجوه العباد إليه ومن أراد بعلمه غير وجه الله صرف الله وجهه وجوه العباد عنه وعن أنس رضي الله عنه عن النبي أنه قال ألا أخبركم بأجود الأجواد قالوا بلى يا رسول الله قال الله أجود الأجواد وأنا أجود ولد ادم وأجود من بعدي رجل علم علما فنشره يبعث يوم القيامة أمة وحده ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل وقال الثورى كان يقال العالم الفاجر فتنة لكل مفتون عن الفضيل رحمه الله تعالى أنه قال لو أن أهل العلم أكرموا أنفسهم وأعزوا هذا العلم وصانوه وأنزلوه حيث أنزله الله إذا لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس وكانوا لهم تبعا ولكنهم أذلوا أنفسهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا فهانوا وذلوا فإنا لله وإنا إليه راجعون فأعظم بها مصيبة والله أعلم وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبدالعزيز الجرجاني وفد أحسن كل الإحسان كأنما طرزت في خلع حسان:
( ولم أقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما )
( ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لاخذ من لاقيت لكن لأخدما )
( أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فأتباع الجهل قد كان أسلما )
( فإن قلت زند العلم كاب فإنما ... كبا حين لم نحرس حماه وأظلما )
( لو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما )
( ولكن أهانوه فهونوا ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما )
يتبعق2
 
يتبع الباب الرابع من كتاب المستطرف...

وقيل من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره وقال الفضيل شر العلماء من يجالس الأمراء وخير الأمراء من يجالس العلماء وقال لقمان جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بماء السماء قيل من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى طالبي العلم قال مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة خلقان الثياب جدد القلوب رياحين كل قبيلة وقال علي رضي الله عنه كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه وعن النبي ما اتى الله أحدا علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحدا ودعا بعضهم لاخر فقال جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية وممن يظهر حقيقة ما يعلمه بما يعلمه وعن عمر رضي الله عنه عن النبي قال على باب الجنة شجرة تحمل ثمارا كثدي النساء يخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب والناس عطاش.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه من تعلم بابا من العلم ليعلمه للناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله ويل لأمتي من علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم.
شعر:
( العلم أنفس شيء أنت داخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره )
( أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال واخره )
قال الشعبي دخلت على الحجاج حين قدم العراق فسألني عن إسمي فأخبرته ثم قال يا شعبي كيف علمك بكتاب الله قلت عني يؤخذ قال كيف علمك بالفرائض قلت إلي فيها المنتهى قال كيف علمك بأنساب الناس قلت أنا الفيصل فيها قال كيف علمك بالشعر قلت أنا ديوانه قال لله أبوك وفرض لي أموالا وسودني على قومي فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همذان وخرجت وأنا سيدهم
قال البستي:
( إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى ... وسيرته عدلا وأخلاقه حسنا )
( فبشره أن الله أولاه فتنة ... تغشيه حرمانا وتوسعه حزنا )
وقال الهيثم بن جميل شهدت مالك بن أنس رضي الله عنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري وقال الأوزاعي شكت النواويس إلى الله تعالى ما تجد من نتن ريح الكفار فأوحى الله إليها بطون علماء السوء انتن مما انتم فيه وقال علي رضي الله عنه من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض ولصالح اللخمي شعر:
( تعلم إذا ما كنت لست بعالم ... فما العلم إلا عند أهل التعلم )
( تعلم فإن العلم أزين للفتى ... من الحلة الحسناء عند التكلم )
ودخل عبد الله بن مسلم الهذلي على المهدي في القراءة فأخذ عشرة الاف درهم ثم دخل في الرماة فأخذ عشرة الاف درهم ثم دخل في المغنين فأخذ كذلك ثم دخل في القصاص فأخذ كذلك فقال المهدي لم أر كاليوم أجمع لما يجمع الله في أحد منك ومل جماعة من الحكماء مجالسة رجل فتواروا عنه في بيت فرقي السطح وجعل يستمع من كوة حتى وقع عليه الثلج فصبر فشكر الله ذلك فجعله إمام الحكماء لا يختلفون في شيء إلا صدروا عن رأيه وشكا رجل إلى وكيع بن الجراح سوء الحفظ فقال له استعن على الحفظ بترك المعاصي فأنشا يقول:
( شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي )
( وذلك أن حفظ العلم فضل ... وفضل الله لا يؤتى لعاصي )
وجد في بعض الاثار عن بعضهم أنه قال إذا أردت أن تكون أحفظ الناس فقل عند رفع الكتاب أو المصحف أو ابتداء القراءة في كل شيء أردت بسم الله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الابدين ودهر الداهرين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
يتبعق2
 
يتبع الباب الرابع من كتاب المستطرف...

قيل وإذا أردت أن لا تنسى حرفا فقل قبل القراءة
اللهم افتح علينا حكمتك وانشر علينا رحمتك ياذا الجلال والإكرام وإذا أردت أن ترزق الحفظ فقل خلف كل صلاة مكتوبة امنت بالله الواحد الأحد الحق لا شريك له وكفرت بما سواه.
ومن فوائد الشيخ صالح شهاب الدين أحمدبن موسى بن عجيل رحمه الله تعالى في الحفظ يقرأ في كل يوم عشر مرات ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما إلى قوله تعالى وكنا فاعلين يا حي يا قيوم يا رب موسى وهارون ويا رب إبراهيم ويا رب محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ألزمني الفهم وارزقني العلم والحكمة والعقل برحمتك يا أرحم الراحمين وعن أبي يوسف قال مات لي ولد فأمرت من يتولى دفنه ولم أدع مجلس أبي حنيفة خوفا أن يفوتني منه يوم وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة ما رأيت تحت أديم السماء أعلم الحديث ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري حتى كان يقال إن حديثا لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث وقال البخاري رحمه الله تعالى أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وقال ما وضعت كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وقال أخرجته من ستمائة ألف حديث وصنفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى وقال مجاهد أتينا عمر بن عبد العزيز لنعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه وكان يقال الليث بن سعد رحمه الله تعالى ذهب علمه كله بموته ولهذا قال الشافعي لما قدم مصر بعد موته والله لأنت أعلم من مالك وإنما أصحابك ضيعوك وقال الليث بن سعد ما هلك عالم قط إلا ذهب ثلثا علمه ولو حرص الناس ويقال إذا سئل العالم فلا تجب أنت فإن ذلك استخفاف بالسائل والمسؤول وقالوا من خدم المحابر خدمته المنابر
شعر:
( لا تدخر غير العلوم ... م فإنها نعم الذخائر )
( فالمرء لو ربح البقاء ... ء مع الجهالة كان خاسر )
وللشافعي رضي الله تعالى عنه شعر
( أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان )
( ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان )
وقال الزهري العلماء أربعة سعيد بن المسيب بالمدينة وعامر الشعبي بالكوفة والحسن البصري بالبصرة ومكحول بالشام وقال بعضهم العلماء سرج الأزمنة كل عالم سراج زمانه يستضيء به أهل عصره وقيل لإبراهيم بن عيينة أي الناس أطول ندامة قال أما في الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره وأما في الاخرة فعالم مفرط.
شعر:
( كن عالما وارض بصف النعال ... ولا تكن صدرا بغير الكمال )
( فإن تصدرت بلا الة ... صيرت ذاك الصدر صف النعال )
يتبعق2
 
يتبع الباب الرابع من كتاب المستطرف...

وقيل لما اجتمع موسى بالخضر عليهما السلام جاء عصفور فأخذ بمنقاره من البحر قطرة ثم حط على ورك الخضر ثم طار فنظر الخضر إلى موسى عليه السلام وقال يا نبي الله إن هذا العصفور يقول يا موسى أنت على علم من علم الله علمكه الله لا يعلمه الخضر والخضر على علم من علم الله علمه إياه لا تعلمه أنت وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه انت ولا الخضر وما علمي وعلمك وعلم الخضر في علم الله إلا كهذه القطرة من هذا البحر
قال الله تعالى ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )
وقال تعالى ( وما يعلم جنود ربك إلا هو )
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما خلق الله تعالى أربعين ألف عالم الإنس والجن عالمان والبواقي لا يعلمها إلا هو وقال موسى عليه السلام يا رب قد قلت للسموات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فلو لم تطعك السموات والأرض ماذا كنت فاعلا بهما قال يا موسى كنت امر دابة من دوابي أن تبتلعهما قال موسى يا رب وأين تلك الدابة قال في مرج من مروجي قال موسى يا رب وأين ذلك المرج قال في علم من علمي لا يعلمه إلا أنا
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال خرج علينا رسول الله ونحن في فكرة فقال فيم تفكرون تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فإن الله خلق من جانب العرب أرضا يقال لها البيضاء تقطعها الشمس في أربعين يوما فيها خلق ما عصوا الله طرفة عين فقال ابن عمر يا رسول الله أين إبليس منهم قال ما علموا بإبليس خلق أم لا قال أمن بني ادم قال ما علموا بادم خلق أم لا فهذه كلها مما أعدها الله في علم غيبه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وأليه ترجعون
يتبعق2
 
يتبع الباب الرابع من كتاب المستطرف...

وقال قتادة لو كان أحد منا مكتفيا من العلم لاكتفى نبي الله موسى عليه السلام إذ
قال هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا وقال الحكماء أفضل العلم وقوف العالم عند علمه وقال بعضهم ليس العلم ما خزنته الدفاتر وإنما العلم ما خزنته الصدور
وقيل العلم يؤدي إلى التصدير
وقيل من تواضع للعلم ناله ومن لم يتواضع له لم ينله
وقيل من برق علمه برق وجهه ومن لم يستفد بالعلم مالا اكتسب به جمالا العلم نور وهدى والجهل غي وردى
وقال بعضهم العالم يعرف الجاهل والجاهل لا يعرف العالم لأن العالم كان جاهلا والجاهل لم يكن عالما وقيل أربعة يسودون العبد العلم والأدب والصدق والأمانة
وقيل أهل العراق أطلب الناس للعلم
وقال حماد بن سلمة مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو كمثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها
ولإبراهيم ابن خلف المهراني:
( النحو يصلح من لسان الأ لكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن )
( وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها منها مقيم الألسن )
وقال علي بن بشار:
( رأيت لسان المرء اية عقله ... وعنوانه فانظر بماذا تعنون )
( ولا تعد إصلاح اللسان فإنه ... يخبر عما عنده ويبين )
( ويعجبني زي الفتى وجماله ... فيسقط من عيني ساعة يلحن )
يتبعق2
 
يتبع الباب الرابع من كتاب المستطرف...

ودخل أعرابي السوق فوجدهم يلحنون فقال سبحان الله يلحنون ويربحون وكلم أبو موسى بعض قواده فلحن فقال لم لا تنظر في العربية فقال بلغني أن من نظر فيها قل كلامه
فقال ويحك لأن يقل كلامك بالصواب خير لك من أن يكثر كلامك بالخطأ وكان يقال مجالسة الجاهل مرض للعاقل وقال أبو الأسود الدؤلي إذا أردت أن تعذب عالما فافرق به جاهلا وقال الشاعر:
( جهلت ولا تدري بأنك جاهل ... ومن لي بأن تدري بأنك لا تدري )
وقال رجل للحسن أنا أفصح الناس قال لا تقل هذا قال فخذ علي كلمة واحدة قال هذه واحدة أبو جهل كناه المسلمون بذلك
وكانت قريش تكنيه أبا الحكم فقال حسان رضي الله تعالى عنه:
( الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل )
واما ما جاء في الأدب فقد قال بعض الحكماء العقل يحتاج إلى مادة من الأدب كما تحتاج الأبدان إلى قوتها من الطعام
وقال علي كرم الله وجهه الأدب كنز عند الحاجة عون على المروءة صاحب في المجلس أنيس في الوحدة تعمر به القلوب الواهية وتحيا به الألباب الميتة وينال به الطالبون ما حاولوا وقيل عقل بلا أدب كشجاع بلا سلاح.
وحكي أن رجلا تكلم بين يدي المأمون فأحسن فقال ابن من أنت قال ابن الأدب يا أمير المؤمنين قال نعم النسب انتسبت إليه ولهذا قيل المرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد
قال الشاعر:
( كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب )
( إن الفتى من يقول ها أناذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي )

وقال بعض الحكماء من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان وضيعا وبعد صيته وإن كان خاملا وساد وإن كان غريبا وكثرت حوائج الناس إليه وإن كان فقيرا قال بعض الشعراء:
( لكل شيء زينة في الورى ... وزينة المرء تمام الأدب )
( قد يشرف المرء بادابه ... فينا وإن كان وضيع الأدب )
وقال بعض الأعاجم مفتخرا:
( مالي عقلي وهمتي حسبي ... ما أنا مولى وما أنا عربي )
( إذا انتمى منتم إلى أحد ... فإنني منتم إلى أدبي )
يتبعق2
 
نهاية الباب الرابع

وقيل الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب وقيل المرء بفضيلته لا بفصيلته وبكماله لا بجماله وبادابه لا بثيابه
وقيل لرجل من أدبك قال رأيت جهل الجهال قبيحا فاجتنبته فتأدبت ومن أدب ولده صغيرا سر به كبيرا من عرف الأدب اكتسب به المال والجاه
خير الخلال الأدب وشر المقال الكذب
وقيل لبقراط ما الفرق بين من له أدب ومن لا أدب به له
قال كالفرق بين الحيوان الناطق والحيوان الذي ليس بناطق
ودخل أبو العالية على ابن عباس رضي الله عنهما فأقعده معه على السرير وأقعد رجالا من قريش تحته فرأى سوء نظرهم إليه وحموضة وجوههم فقال ما لكم تنظرون إلي نظر الشحيح إلى الغريم المفلس هكذا الأدب يشرف الصغير على الكبير ويرفع المملوك على المولى ويقعد العبيد على الأسرة وقال جالينوس إن ابن الوضيع إذا كان أديبا كان نقص أبيه زائدا في منزلته وابن الشريف إذا كان غير أديب كان شرف أبيه زائدا في سقوطه
وقيل أحسن الأدب أن لا يفتخر المرء بأدبه
وسمع معاوية رجلا يقول أنا غريب فقال كلا الغريب من لا أدب له ويقال إذا فاتك الأدب فالزم الصمت فهو من أعظم الاداب
ولعبد الملك بن صالح:
( في الناس قوم أضاعو مجد أولهم ... ما في المكارم والتقوى لهم أرب )
( سوء التأدب أرداهم وأرذلهم ... وقد يزين صحيح المنصب الأدب )
وقيل أربعة تسود العبد الأدب والعلم والصدق والأمانة
وقال بعض الحكماء خمسة لا تتم إلا بخمسة لا يتم الحسب إلا بالأدب ولا يتم الجمال إلا بالحلاوة
ولا يتم الغنى إلا بالجود ولا يتم البطش إلا بالجرأة ولا يتم الجهاد إلا بالتوفيق
والله تعالى أعلم.
،
نهاية الباب الرابع
يتبع الباب الخامس في الاداب والحكم
ق2​
 
عودة
أعلى