رد: حتى إشتعال آخر
إنها الساعة الأخيرة من كل شيء, حين لا تملك ما يكفيك من الحواس لممارسة الحياة كما يجب,
حين تتوقف عن السير / التنفس / الضحك / التأثر / البكاء / الشوق / الأنين / الحنين ...
حين تشعر أن صدرك باب مؤصد, بالكاد تتسلل عبر ثقوبه القليلة نسائم الحياة ..
حين تكون وحيدا, برأس كره رائحة الوسادة والجمود والعجز عن إزالة الستائر التي تحجب عنك الشمس التي لطالما حدثوك عنها ..
أي أمل سوف تقتات عليه , وكل مخازن العمر خاوية؟
أي دمعة سوف تعثر على طريق نزولها في وجنتيك .. إن كنت في تلك الساعات الأخيرة لا تستوعب معنى البكاء !
لا تخبرهم بأنك ستعود,
لا تعدهم بشيء ..
كن منبوذا للوهلة الأولى من الصد, كي تكسب رضوان الاخرين حين يتحدثون عنك بعد غيابك ويقولون : " جزاه الله خيرا .. إذ لم يكن يؤلف الوعود التي لم يستطع الإيفاء بها !"
كن جحيما لأوراقك, كلماتك, أنفاسك التي تتذكر الاخرين ..
أحرقها كلها, وتذكر نفسك !
فأنت في الساعات الأخيرة ... بحاجة ماسة إلى نفسك التي نسيتها كثيرا كرمى للاخرين !
العمر الذي يمضي لن تكسبه مجددا إن وددت,
هو لا يقبل التعازي فيك, فهو المجرم الوحيد الذي يقتلك دون أن يمشي في جنازتك !
دبلوماسي جدا هذا العمر !
ولهذا فإننا نخشاه, نبلل عيوننا بالبكاء كلما ظننا أن الساعات الأخيرة قد أزفت, وأننا راحلون ... راحلون !
مالذي سوف تملكه إذا رحلت بجسد كالعلبة الفارغة, لا شيء يتذكرها بعد أن تلقى في قمامة " القبر " ..
أي فخر ستناله حين تطأ الأحذية التراب الذي يغطي رأسك ؟
هل تعيش كثيرا؟
هل تؤمن بالأبدية مثل أصحاب الأنوف " المقرطة " ؟
يا صديقي أنا أبكيك الان , بعين لا تبكي سواي,
أخشى أننا قد أسأنا الحياة ولهذا فإن الموت ربما سيكون أسوأ ..
هو كذلك دائما في عقول من يتعوذ من الموت كلما تم ذكره في مجلس ..
ويقومون بالتفتفة داخل قمصانهم بالقول : " بعيد الشر ! "
هو لا يبتعد,
ملتصق بنا كأرواحنا,
وربما يسكننا ولكننا لا نعترف به!
كأنه كائن فاقد للشرعية في قانون الوجود,
كأنه عثرة نتجاهلها كي نواصل المسير ... وننسى أن كل عثراتنا مهما تأذينا منها ليست سوى نكتة تسمى " المحنة " ..
لا تستوجب جلوسك خلف طاولة صغيرة كي تملأ الفراغات ..
كثيرون نحن أليس كذلك؟
شعرت بذلك حين اكتشفت أن روحي الحقيقية موزعة على الوجوه التي أحبها " حتى الموت " ,
حين جلست أمامها يوما وأنا أبكي وأرجوها أن لا تغيب ..
وإذ بها لا تنصت للرجاء ولا تستجيب,
فالعمر الذي سوف يقتلنا, قد قتلها وترك المقاعد من بعدها فارغة, ذات أزيز غريب, يثقب العقل دائما كلما انطلق وذكرني بوحدتي ..
أشعر أن الروح في داخلي خفيفة .. تتلاشى . .
تجمع ملابسي البيضاء في حقيبة إسمها : " فراش الموت " ...
لا تبتئس, فلن أعدك بشيء أبدا . .