و مَا حيلتي
بخريف صمتك تتجاهَلني
فتسقط أَوراق لَهفتي جريحة
مخضبة أَدِيم الثري بندى رَبِّيعهَا
تتقاذفهَا رِيَاح الَهَجَّر
وكأَنني اسْمَع صَخَب حفِيفهَا
و تنكرني و لا تُرِيد أَن تسمعا
بُحّ النِّداء مَن استعطاف
و مَناجاة رجاءا بأَن ترجعا
حَبِيبتي أتذكرين لِيَالِينا
فِيهَا السَّعَادَة و الْحَبّ كوامَن
تنتابني الصبابة بقلب عاشقا مولعا
و مَا حيلتيو الْوَجْد إِلَيْك قاتلِي
إِذًا رَحَلْت شَمْس الأصيل تَمِيد لتهجعا
أذوب حَنِينًا وأحن للقيَا
و إحساسا باللَهفة مدغدغا
فِيَا طَوْل سهري وبذكراك
اغرورقت عَيْنَاي هِيَامَا لتدمعا
و يَا وَيْلِي ممَا أَحَسّ به
فكَيف يداعب جفنيك نومَا
و أَنا بجَنَح الظلام هَجَّر عَيْنَاي الكري
فلا أَقْدَر أَن أسبلها
ومَن شَدَّت أَرْقِي و سهدي
أبت أَن يَغْشَاهَا الَوسن
فلا تَنَام و مَن جَوْرك و جَوْر الزمَن
باغتهَا عَيْنَاي الَمشيب
أمَا يَكْفِينِي مَا ألاقيه مَن ظَلَم اللِيَالِي
بل يَزيد فِي هَمِّي الحَبِيب
و مَا حيلتيعَلَى مَرَّافئ ذكراك اشْتَعَل شوقا
أتوسد الْحَزَن و افترشه
و كؤوس الْهَمّ بفمي العقهَا
لَهِيبا صاعقا و مَرَّا تجرعا
فاسقط مَن ترنحي مبتهَلا
إلِي رَبِّي خاشعا
أقلب طرفِي بالسمَاء إِلَيْه متضرعا
رَبِّي لِي حَبِيب فقدته
الَهِي هَل لِي أَن أراه
لَقَد طَال غيَابه رَبِّي
هَل يومَا إلِي أَن يرجعا
و مَا حيلتيتتداركني دمعتي و تنثال لذكراك
تري أَيْن أَنت و أَيْن خُطَاك ربوعهَا
أقسمت أَجْوَب الأَرَض بحّثا
أفتش عَنْك فِي سهولَهَا و سفوحهَا
مَن يسكبِهَا سلافه صَهْبَاء بَدَّن صحوتي
كَي لا أستفِيق مَن سكرتي
فحبِهَا بَيْن جوانحي صهدا حارقا مَن الجوى
مَن يسكبه الَمَاء بمهجتي كَي يُطْفِئ لَهِيبِهَا
أمَا نَحْن قَلْبًا وَاحِدًا تقاسمَنا الفرح و الضنى
وكَم مَن حَاسِد يَمِيد بِي خلسة
فِي جَنَح الظلام لِيغرقني فِي لجته
لَكِن قلبِي مَا ضَلّ معالَمه و مَا لِغَيْرِك غوى
و كَيف يميل
وأَنت الَّذِي أَوَرَدتني مهَالك لجج الَهوى
و مَا حيلتيبأَن أَرَى طيفهَا يخايلني
فِي كُل شَيْء ممزوجة ملامح جبَيْنهَا
وضاءا صافِيَا بِبَرَاءَة طفلة فِي مهدهَا
أَرَى وَجَّهَهَا فِي قصيدة عشق
في قنينة عطر
مُرسومة عَلَى صواري قَوَارِب النيل
فِي كُل نُجِّمَة مَن نُجُوم اللِيل
عَلَى جُدْرَان الأزقة
فِي سراديب الأحزان
عَلَى مَوْج البُحّر فِي ضَوْء القناديل
لَكِنني مشتت كَيف أَلْقاك
و أَنت ممزقة و لا أَمْلَك بَارِقَة دلِيل
فبات لقيَاك أمَنية حَقًا محالة
كسراب أَنت فِي غيَاهب الَمحيطات رحالة
سأحطم كُل أَلْق انهزامَاتي
سأخترقهَا جُدْرَان الاستحالة
و مَا حيلتيو أَنت لكُل نداءاتي لا تستجيب
أمَا يكفِيك مَا أَنا به
مَن لَهفة و شوق و لَهِيب
تركتني يَنَال مَني الكدر
مَن شَدَّت النحيب ذَابَت مَني الَمقل
أقتات عَلَى رمَاد الْحَبّ و الذكرى
فدوحة حُبَّنَا مَا عَاد بِهَا أَوراق
و تَسَاقَط مَن فروعهَا يَانع الثمُر
صنعت بِي مَا صَنَعَتْه مَن مُر الفراق
باتت عواطفِي مهزومة
متطفلة تقتات عَلَى ممَا يتَسَاقَط
مَن فَتَات موائد العشاق
استهواني السفر
تركت موطني هَاجَرَت إلِي بلاد الغجر
لا أجيد لغتهم لَم أَحَسّ مشاعرهم
و مَا حيلتي لَقَد قذفني عَنْوَة إِلَيْهم مَكْتُوب الَقَدر
يعتصرني الِيأس فلا هُنَا عاطفة و لا لَمسة حب
أَعِيش نَعَم أَعِيش لَكِن كَمَن لا حيَاة لَه و لا لب
و مَا حيلتيينكأ الشَّفَق جراحي مَن قَبَّل الَمغيب
بذكرى اللِّقَاء ينبشهَا بخيوط الشَمْس
يغزلَهَا جَرْحًا عَنِيدًا لا يستطيب
فمَن يَبْلُغُهَا بصبابتي
بأَنهَا عمُري
بأَنهَا شَمْس نَهَارِي و قمُر لِيلِي
مَنيرا لا يغيب
و مَا حيلتيطوال النَّهَار أَكْتَوِي بلظى الانتظار
و إِذا أقَبَّل اللِيل أتخيلَهَا
و كأَنمَا تَلْتَقِي رُوحِي بروحهَا
كَم تمَنيت الْوِصَال و لَو بكُلَمة
إِلَيْهَا أفضي بِهَا
بلساني و بنظراتي أبوحهَا
و كَم مَن مَناجاة بغسق الدجى
لَوصالَهَا و بقربِهَا أطمع
فمَا رَحِمْت نداءاتي
تركت حَرِيّ الْكَبِد مَني تتقطع
كبريَاء أَخَذَهَا للجبروت زهوا
و كأَنمَا هِي مَن يَهَب و مَن يمَنع
علِي صخور الِيأس هُنَا قابع
و هُنَاك غَيْرِي علِي مَوْعِد خلسة
بوصالَهَا يتمتع
يذوب الْقَلْب حينهَا مَن عَجَب و مَن غيظ
ألِيس هَذَا أمَرَّا مَنه الَمُرء يجزع ؟
و مَن شَدَّة الَهول الْعَيْن شاخصة فلا تدمع
و مَا حيلتييقيني بأَنك بكُل لغات الكره لنسيَاني تحاول
و لتعلَم بأَنك لصفاء الْحَبّ و مَعْنَاه جاهَل
أعلَم بأَنك لغَيْرِي تَجُود بالعواطف
و بِكَثِير مَن الرسائل
و مَا حيلتي أَن كَنَت لا أجيدهَا
حروف الْحَبّ كغَيْرِي و أَنمقهَا
كَنَت أُحَاوِل و أُحَاوِل
تطاوعني مُرة حروفِي و مُرة علِي تبخل
كَنَت أَخَاف مَنهَا ربمَا
تجرح إحساسك أَو تلفك بالخجل
فأَنا لَسْت راقمَا لَهَا و لَسْت بتامر
مسكَين أَنا ظَلَمت بُحّبك و هَا أَنا
كَمَا أَتَيْت مسافر
كأَنني كَنَت ضَيْفًا برحابكَم كطيف عابر
و مَا حيلتيبرغم كُل جراحاتي
بكُل انكساراتي
أَناجيك فِي غسق اللِيل تعال
أبث إِلَيْك صبابتي
كفاك بُعْدًا يَا غالِيتي يَا بَنَت الجيران
هَلَم إلِي أزيحي مَن ناظري ستائر الْفَجْر الحيران
فتتيه جِدَار الصَّمْت يَا عصفورتي
اطرب مسامعي بشجو يَهْتَزّ لَه قلبِي
تطرب لَه الاذان
اسألِيني مَا شِئْت فَإِن لكُل أمَرَّا أسباب
و كُل علامة استفهَام يَا عمُري لَهَا جواب
هِيَا اقَبَّلِي و لا تكترثي
فَإِن تشكوني مَن صدودي فَذَلِك يسير
فالِيوم أَنا مَلَك لك
بَيْن جنباتك مغلَول مكبل كأسير
مهِيض الْجَنَاح ذلِيلا
فأَنت ملكة و لكَ كُل توقير
اطو لِي مسافات البعد
فحُبَّنَا يَا عمُري ساقته لَنا الأقدار
فهرولِي و اسبقي الزمَن
فأَنا الِيوم صَغَارًا و غَدًا مَن الكبار
أجبني عبر هجوع اللِيل ملبِيَا
هِيَا نَضَع الْحُرُوف عَلَى قَامُوس ذكريَاتنا
نستعيدهَا نحققهَا أحلامَنا
تعالِي ندثره ألق الَمَاضي
الَمعتق بَيْن جراحاتنا
فموعد لقاءنا لا يُقَبَّل التأجيل
تعالِي نطمر كُل همومَنا
تعالِي نَسْكُن أَوكارنا كالعصافِير
ببستان وَرَد نسمو فِي أعالِي النخيل
تعالِي نَسْقِي رَوْضَة ظمأَنا
بلسمي قلبِي الكَمد
قولِي لَهم بأعَلَى صوتك
بأَنني حَبِيبك رَحَلْت عمُرك
و مَا عشقت غَيْرِي أحد